الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() تسمى له باسم كل شيء يفتقر إليه و ما في الوجود شيء إلا و يفتقر إليه مفتقر ما من جميع الأشياء و لا يفتقر إليه شيء لوقوف هذا الفقير عند هذه الآية ﴿يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15] فتحقق بهذه الآية فأوجب اللّٰه له الطهارة و الزكاة حيث تأدب مع اللّٰه و علم ما أراد اللّٰه بهذه الآية فإنها من أعظم آية وردت في القرآن للعلماء بالله الذين فهموا عن اللّٰه فلم يظهر عليه صفة غنى بالله و لا بغير اللّٰه فيفتقر إليه من ذلك الوجه فصح له مطلق الفقر فكان اللّٰه غناه بما هو من الأغنياء بالله فإن الغني بالله من افتقر إليه الخلق و زها عليهم بغناه بربه فذلك لا يجب له أن يأخذ هذه الزكاة فما قدم الحق الفقراء بالذكر و فوقهم من هو أشد حاجة منهم لا مسكين و لا غيره فإن الفقير هو الذي انكسر فقار ظهره فلا يقدر على أن يقيم ظهره و صلبه فلا حظ له في القيومية أبدا بل لا يزال مطاطئ الرأس لانكساره فافهم هذه الإشارة [المسكين هو من يدبره غيره]و المساكين المسكين من السكون و هو ضد الحركة و الموت سكون فإذا تحرك الميت فبتحريك غيره إياه لا بنفسه فالمسكين من يدبره غيره فلهذا فرض اللّٰه له أن يعطي الزكاة و لا يقال فيه إنه آخذ لها و هو لا يتصف بالحاجة و لا بعدم الحاجة و لهذا قلنا في الفقير إنه ما فوقه من هو أشد حاجة منه فإن المسكين هو عين المسلم المفوض أمره إلى اللّٰه عن غير اختيار منه بل الكشف أعطاه ذلك و لهذا ألحقناه بالميت فالمسكين كالأرض التي جعلها اللّٰه لنا ذلولا فمن ذل ذلة ذاتية تحت عز كل عزيز كان من كان فذلك المسكين لتحققه ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّٰهِ﴾ [النساء:139] و أن عزته هي الظاهرة في كل عزيز و هذه معرفة نبوية [فهم العرب و مرتبة العارفين]يقول تعالى ﴿أَمّٰا مَنِ اسْتَغْنىٰ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّٰى﴾ فعند المحققين ضمير له لله و إن كانت الآية جاءت عتبا و لكن في حق فهم العرب و نحن مع شهود رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و ذوقه و مرتبته فإن العارفين مناولهم هذا المقام حسنة من حسنات رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و لا تبالي بذاك العزيز فنقول إنه ممن أشقاه اللّٰه بعزه فإن هذا المسكين ما ذل إلا للصفة و هذه الصفة لا تكون إلا لله عنده حقيقة لم تدنسها الاستعارة قط فهذا المسكين لم ير بعينه إلا اللّٰه إذ كان لا يرى العزة إلا عزته تعالى لا بعينه و لا بقلبه و نظر إلى ذلة كل ما سواه تعالى بالعين التي ينبغي أن ينظر إليهم بها فتخيل المخلوق الموصوف عند نفسه بالعزة أنه ذلك هذا المسكين لعزه و إنما كان ذلك للعز خاصة و العز ليس إلا لله فوفى المقام حقه فمثل هذا هو المسكين الذي يتعين له إعطاء الصدقة [العامل هو المرشد إلى معرفة المعاني]و العاملين عليها العامل المرشد إلى معرفة هذه المعاني و المبين لحقائقها و المعلم و الأستاذ و الدال عليها و هو الجامع لها بعلمه من كل من تجب عليه فله منها على قدر عمالته و ليس الأمر في حقه منها إلا كما قدمناه و الأولى بالمرشد أن يقول ما قالت الرسل ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاّٰ عَلَى اللّٰهِ﴾ [يونس:72] فقد يكون هذا القدر الذي لهم من الزكاة الإلهية فلهم أخذ زكاة الاعتبار لا زكاة المال فإن الصدقة الظاهرة على الأنبياء حرام لأنهم عبيد و العبد لا يأخذ الصدقة من حيث ما تنسب إلى الخلق فاعلم ذلك [المؤلفة قلوبهم على حب المحسن]و المؤلفة قلوبهم فهم الذين تألفهم الإحسان على حب المحسن لأن القلوب تتقلب فتألفها هو أن تتقلب في جميع الأمور كما تعطي حقائقها و لكن لعين واحدة و هي عين اللّٰه فهذا تألفها عليه لا تملكها عيون متفرقة لتفرق الأمور التي تتقلب فيها [الجداول التي ترجع إلى عين واحدة]فإن الجداول إذا كانت ترجع إلى عين واحدة فينبغي مراعاة تلك العين و التألف بها فإنه إن أخذته الغفلة عنها و مسكت تلك العين ماءها لم تنفعه الجداول بل يبست و ذهب عينها و إذا راعى العين و تألف بها تبحرت جداولها و اتسعت مذانبها [الذين يطلبون الحرية]و في الرقاب فهم الذين يطلبون الحرية من رق كل ما سوى اللّٰه فإن الأسباب قد استرقت رقاب العالم حتى لا يعرفوا سواها و أعلاهم في الرق الذين استرقتهم الأسماء الإلهية و ليس أعلى من هذا الاستراق إلا استرقاق أحدية السبب الأول من كونه سببا لا من حيث ذاته و مع هذا فينبغي لهم أن لا تسترقهم الأسماء لغلبة نظرهم إلى أحدية الذات من كونه ذاتا لا من كونها إلها ففي مثل هذه الرقاب تخرج الزكاة [الذين أقرضوا اللّٰه قرضا حسنا]و الغارمين هم الذين ﴿أَقْرَضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [الحديد:18] عن أمره و هو قوله عزَّ وجلَّ آمرا ﴿وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [الحديد:18] عطف على أمرين واجبين و هما قوله ﴿وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ﴾ [البقرة:43] و ثلث بقوله ﴿وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [الحديد:18] فالقرض ثالث ثلاثة و لكن ما عين ما تقرضه كما لم يعين ما تزكيه كما لم يعين صلاة بعينها فعمت كل صلاة أمرنا بإقامتها و كل زكاة و كل قرض إلا أنه نعت ﴿قَرْضاً﴾ [البقرة:245] بقوله ﴿حَسَناً﴾ [البقرة:83] مع تأكيد بالمصدر و سبب ذلك أن الصلاة و الزكاة العبد فيهما عبد اضطرار و في القرض عبد اختيار فمن الناس من أقرض اللّٰه قرض اختيار و هو الذي لم يبلغه الأمر به و بلغه ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللّٰهَ﴾ [التغابن:17] أو قوله ﴿مَنْ ذَا﴾ [البقرة:245] |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |