الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() مسرورا به فإنك إنما تلقى اللّٰه و «كان الحسين أو الحسن عليه السّلام إذا سأله السائل سارع إليه بالعطاء و يقول أهلا و اللّٰه و سهلا بحامل زادي إلى الآخرة» لأنه رآه قد حمل عنه فكان له مثل الراحلة لأن الإنسان إذا أنعم اللّٰه عليه نعمة و لم يحمل فضلها غيره فإنه يأتي بها يوم القيامة و هو حاملها حتى يسأل عنها فلهذا «كان الحسن يقول إن السائل حامل زاده إلى الآخرة فيرفع عنه مئونة الحمل» (وصية)و إياكم و مظالم العباد فإن الظلم ظلمات يوم القيامة و ظلم العباد إن تمنعهم حقوقهم التي أوجب اللّٰه عليك أداءها إليهم و قد يكون ذلك بالحال فيما تراه عليه من الاضطرار و أنت قادر واجد لسد خلته و دفع ضرورته فيتعين عليك أن تعلم أن له بحاله حقا في مالك فإن اللّٰه ما أطلعك عليه إلا لتدفع إليه حقه و إلا فأنت مسئول فإن لم يكن لك قدرة بما تسد خلته [إن اللّٰه يريد من العبد أن تعينه بكلمة طيبة عند من تعلم أنه يسد خلته]فاعلم إن اللّٰه ما أطلعك على حاله سدى فاعلم أنه يريد منك أن تعينه بكلمة طيبة عند من تعلم أنه يسد خلته فإن لم تعمل فلا أقل من دعوة تدعو له و لا يكون هذا إلا بعد بذل المجهود و الياس حتى لا يبقى عندك إلا الدعاء و مهما غفلت عن هذا القدر فأنت من جملة من ظلم صاحب هذا الحال هذا كله إن مات ذلك المحتاج من تلك الحاجة فإن لم يمت و سد خلته غيرك من المؤمنين فقد أسقط أخوك عنك هذه المطالبة من حيث لا يشعر فإن المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه و إن لم ينو المعطي ذلك و لكن هكذا هو في نفس الأمر و كذا يقبله اللّٰه فإذا أعطيت أنت سائلا بالحال ضرورته فانو في ذلك أن تنوب عن أخيك المؤمن الأول الذي حرمه و تجعل ذلك منه إيثارا لجنابك عليه بذلك الخير الذي أبقاه من أجلك حتى تصيبه إذ لو أعطاه اقتنع بما أعطاه و لم تكن تجد أنت ذلك الخير فبهذه النية عطاء العارفين أصحاب الضرورات السائلين بأحوالهم و أقوالهم ﴿وَ أَمَّا السّٰائِلَ فَلاٰ تَنْهَرْ﴾ [الضحى:10] و سواء كان ذلك في القوت المحسوس أو المعنوي فإن العلم من هذا الباب و الإفادة فإن الضال يطلب الهداية و الجائع يطلب الإطعام و العاري يطلب الكسوة التي تقيه برد الهواء و حره و تستر عورته و الجاني العالم بأنك قادر على مؤاخذته يطلب منك العفو عن جنايته فاهد الجيران و أطعم الجائع و اسق الظمآن و اكس العريان و اعلم إنك فقير لما يفتقر إليك فيه و اللّٰه ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] و مع هذا يجيب دعاءهم و يقضي حوائجهم و يسألهم أن يسألوه في دفع المضار عنهم و إيصال المنافع إليهم فأنت أولى أن تعامل عباد اللّٰه بمثل هذا لحاجتك إلى اللّٰه في هذه الأمور «خرج مسلم في الصحيح عن عبد اللّٰه بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي عن مروان بن محمد الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر عن النبي ﷺ فيما روى عن اللّٰه تبارك و تعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي أنتم تخطئون بالليل و النهار و أنا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم» و الحق تعالى يعطيكم هذا كله من غير سؤال منك إياه فيه و لكن مع هذا أمرك أن تسأله فيعطيك إجابة لسؤالك ليريك عنايته بك حيث قبل سؤالك و هذه منزلة أخرى زائدة على ما أعطاك و إذا كان سؤالك عن أمره و قد علم منك أنك تسأله و لا بد من ضرورة أصل ما خلقت عليه من الحاجة و السؤال لتكون في سؤالك مؤديا أمرا واجبا فتجزى جزاء من امتثل أمر اللّٰه فتزيد خيرا إلى خير فما أمرك إلا رحمة بك و إيصال خير إليك و لينبهك على إن حاجتك إليه لا إلى غيره فإنه ما خلقك إلا لعبادته أي لتذل له فالذي أوصيك به الوقوف عند أوامر الحق و نواهيه و الفهم عنه في ذلك حتى تكون من العلماء بما أراده الحق منك في أمره و نهيه إياك و من لم يسأل ربه فقد بخله هذا في حق العموم فإن فرطت فيما أوصيتك به فلا تلومن إلا نفسك فإنك إن كنت جاهلا فقد علمتك و إن كنت ناسيا و نافلا فقد نبهتك و ذكرتك فإن كنت مؤمنا فإن الذكرى تنفعك فإني قد امتثلت أمر اللّٰه بما ذكرتك به و انتفاعك بالذكرى شاهد لك بالإيمان قال اللّٰه عزَّ وجلَّ في حقي و في حقك ﴿وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات:55] فإن لم تنفعك الذكرى فاتهم نفسك في إيمانك فإن اللّٰه صادق و قد أخبر بأن الذكرى تنفع المؤمنين و «من تمام هذا الخبر الإلهي الذي أوردناه بعد قوله اغفر لكم أن قال يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني» و معلوم أنه سبحانه لا يتضرر و لا ينتفع فإنه الغني عن العالمين و لكن لما أنزل |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |