الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() «لأعطينه و لئن استعاذ بي لأعيذنه و ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت و أنا أكره مساءته» فانظر إلى ما تنتجه محبة اللّٰه فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية و لا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض و في النفل عينه فروض و نوافل فبما فيه من الفروض تكمل الفرائض «ورد في الصحيح أنه يقول تعالى انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة و إن كان انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال اللّٰه أكملوا لعبدي فريضته من تطوعه» ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم و ليست النوافل إلا ما لها أصل في الفرائض و ما لا أصل له في فرض فذلك إنشاء عيادة مستقلة يسميها علماء الرسوم بدعة قال اللّٰه تعالى ﴿وَ رَهْبٰانِيَّةً ابْتَدَعُوهٰا﴾ [الحديد:27] و «سماها رسول اللّٰه ﷺ سنة حسنة و الذي سنها له أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا» و لما لم يكن في قوة النفل أن يسد مسد الفرض جعل في نفس النفل فروضا لتجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النافلة بحكم الأصل ثم إنها تشتمل على فرائض من ذكر و ركوع و سجود مع كونها في الأصل نافلة و هذه الأقوال و الأفعال فرائض فيها (وصية)و عليك بمراعاة أقوالك كما تراعي أعمالك فإن أقوالك من جملة عملك و لهذا قال بعض العلماء من عد كلامه من عمله قل كلامه [أن اللّٰه عند لسان كل قائل]و اعلم أن اللّٰه راعي أقوال عباده و أن اللّٰه عند لسان كل قائل فما نهاك اللّٰه عنه إن تتلفظ به فلا تتلفظ به و إن لم تعتقده فإن اللّٰه سائلك عنه روينا أن الملك لا يكتب على العبد ما يعمله حتى يتكلم به قال تعالى ﴿مٰا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّٰ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18] يريد الملك الذي يحصي عليك أقوالك يقول تعالى ﴿إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحٰافِظِينَ كِرٰاماً كٰاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مٰا تَفْعَلُونَ﴾ و أقوالك من أفعالك انظر في قوله تعالى ﴿وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتٌ﴾ [البقرة:154] فنهاك عن القول فإنه كذب اللّٰه من قال مثل هذا القول فإن اللّٰه قال فيهم إنهم أحياء أ لا ترى إلى قوله تعالى حيث يقول ﴿وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران:169] و قال ﴿لاٰ يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء:148] و قال ﴿لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ﴾ [النساء:114] و هو القول فإذا تكلمت فتكلم بميزان ما شرع اللّٰه لك أن تتكلم به و «كان رسول اللّٰه ﷺ يمزح و لا يقول إلا حقا» فعليك بقول الحق الذي يرضى اللّٰه فما كل حق يقال يرضى اللّٰه فإن النميمة حق و الغيبة حق و هي لا ترضي اللّٰه و قد نهيت أن تغتاب و إن تنم بأحد و من مراعاة اللّٰه الأقوال «ما رويناه في صحيح مسلم عن اللّٰه تعالى لما مطرت السماء قال عزَّ وجلَّ أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر فمن قال مطرنا بنوء كذا و كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب و أما من قال مطرنا بفضل اللّٰه و رحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب» فراعى أقوال القائلين و كان أبو هريرة يقول إذا مطرت السماء مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو ﴿مٰا يَفْتَحِ اللّٰهُ لِلنّٰاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاٰ مُمْسِكَ لَهٰا﴾ [فاطر:2] و لو كنت تعتقد أن اللّٰه هو الذي وضع الأسباب و نصبها و أجرى العادة عندنا بأنه يفعل الأشياء عندها لا بها و مع هذا كله لا تقل ما نهاك اللّٰه عنه أن تقوله و تتلفظ به فإنه كما نهاك عن أمور نهاك عن القول و إن كان حقا و انظر ما أحكم قول اللّٰه عزَّ وجلَّ في قوله مؤمن بي كافر بالكوكب و كافر بي مؤمن بالكوكب فإنه مهما قال بفضل اللّٰه فقد ستر الكوكب حيث لم ينطق باسمه و من قال بالكوكب فقد ستر اللّٰه و إن اعتقد أنه الفاعل منزل المطر و لكن لم يتلفظ باسمه فجاء تعالى بلفظ الكفر الذي هو الستر فإياك و الاستمطار بالأنواء أن تتلفظ به فأحرى إن تعتقده فإن اعتقادك إن كنت مؤمنا أن اللّٰه نصبها أدلة عادية و كل دليل عادي يجوز خرق العادة فيه فاحذر من غوائل العادات و لا تصرفنك عن حدود اللّٰه التي حد لك فلا تتعداها فإن اللّٰه ما حدها حتى راعاها و ذلك في كل شيء «ورد في الخبر الصحيح أن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط اللّٰه ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين حريفا و إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّٰه ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليين» فلا تنطق إلا بما يرضى اللّٰه لا بما يسخط اللّٰه عليك و ذلك لا يتمكن لك إلا بمعرفة ما حده لك في نطقك و هذا باب أغفله الناس «قال رسول اللّٰه ﷺ و هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم» و قال الحكيم لا شيء أحق بسجن من لسان و قد جعله اللّٰه خلف بابين الشفتين و الأسنان و مع هذا يكثر الفضول و يفتح الأبواب |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |