الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
ثبتت ولايته فقد حرمت محاربته و من حارب اللّٰه فقد ذكر اللّٰه جزاءه في الدنيا و الآخرة و كل من لم يطلعك اللّٰه على عداوته لله فلا تتخذه عدوا و أقل أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره فإذا تحققت أنه عدو لله و ليس إلا المشرك فتبرأ منه كما فعل إبراهيم الخليل عليه السّلام في حق أبيه آزر قال اللّٰه عز و جل ﴿فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة:114] هذا ميزانك يقول اللّٰه تعالى ﴿لاٰ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ﴾ [المجادلة:22] كما فعل إبراهيم الخليل ﴿أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة:22] و متى لا تعلم ذلك فلا تعاد عباد اللّٰه بالإمكان و لا بما ظهر على اللسان و الذي ينبغي لك أن تكره فعله لا عينه و العدو لله إنما تكره عينه ففرق بين من تكره عينه و هو عدو اللّٰه و بين من تكره فعله و هو المؤمن أو من تجهل خاتمته ممن ليس بمسلم في الوقت و احذر «قوله تعالى في الصحيح من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» فإنه إذا جهل أمره و عاداه فما وفى حق الحق في خلقه فإنه ما يدري علم اللّٰه فيه و ما بينه اللّٰه له حتى يتبرأ منه و يتخذه عدوا و إذا علم حاله الظاهر و إن كان عدوا لله في نفس الأمر و أنت لا تعلم فواله لإقامة حق اللّٰه و لا تعاده فإن الاسم الإلهي الظاهر يخاصمك عند اللّٰه فلا تجعل لله عليك حجة فتهلك فإن ﴿فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ﴾ [الأنعام:149] فعامل عباد اللّٰه بالشفقة و الرحمة كما إن اللّٰه يرزقهم على كفرهم و شركهم مع علمه بهم و ما رزقهم إلا لعلمه بأن الذي هم فيه ما هم فيه بهم بل و هم فيه بهم لما قد ذكرناه بلسان العموم فإن اللّٰه ﴿خٰالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:102] و كفرهم و شركهم مخلوق فيهم و بلسان الخصوص ما ظهر حكم في موجود إلا بما هو عليه في حال العدم في ثبوته الذي علمه اللّٰه منه ﴿فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ﴾ [الأنعام:149] على كل أحد مهما وقع نزاع و محاجة فيسلم الأمر إليه و اعلم أنك على ما كنت عليه و عم برحمتك و شفقتك جميع الحيوان و المخلوقين و لا تقل هذا نبات و جماد ما عندهم خبر نعم عندهم أخبار أنت ما عندك خبر فاترك الوجود على ما هو عليه و ارحمه برحمة موجدة في وجوده و لا تنظر فيه من حيث ما يقام فيه في الوقت ﴿حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكٰاذِبِينَ﴾ [التوبة:43] فيتعين عليك عند ذلك أن تتخذهم أعداء لأمر اللّٰه لك بذلك حيث نهاك أن تتخذ عدوه وليا تلقي إليه بالمودة فإن اضطرك ضعف يقين إلى مداراتهم فدارهم من غير أن تلقي إليهم بمودة و لكن مسالمة لدفع الشر عنك ففوض الأمر إليه و اعتمد في كل حال عليه إلى أن تلقاه (وصية)و عليك بملازمة ما افترضه اللّٰه عليك على الوجه الذي أمرك أن تقوم فيه فإذا أكملت نشأة فرائضك و إكمالها فرض عليك حينئذ تتفرغ ما بين الفرضين لنوافل الخيرات كانت ما كانت و لا تحقر شيئا من عملك فإن اللّٰه ما احتقره حين خلقه و أوجده فإن اللّٰه ما كلفك بأمر إلا و له بذلك الأمر اعتناء و عناية حتى كلفك به مع كونك في الرتبة أعظم عنده فإنك محل لوجود ما كلفك به إذ كان التكليف لا يتعلق إلا بأفعال المكلفين فيتعلق بالمكلف من حيث فعله لا من حيث عينه [إن العبد إذا ثابر على أداء الفرائض فإنه تقرب إلى اللّٰه بأحب الأمور المقربة إليه]و اعلم إنك إذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى اللّٰه بأحب الأمور المقربة إليه و إذا كنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق و بصره فلا يسمع إلا بك و لا يبصر إلا بك فيد الحق يدك ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح:10] و أيديهم من حيث ما هي يد اللّٰه هي فوق أيديهم من حيث ما هي أيديهم فإنها المبايعة اسم فاعل و الفاعل هو اللّٰه فأيديهم يد اللّٰه فبأيديهم بايع تعالى و هم المبايعون و الأسباب كلها يد الحق التي لها الاقتدار على إيجاد المسببات و هذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد و بصره كما كان الأمر بالعكس في حب أداء الفرائض ففي الفرض عبودية الاضطرار و هي الأصلية و في الفرع و هو النفل عبودية الاختيار فالحق فيها سمعك و بصرك و يسمى نفلا لأنه زائد كما أنك بالأصالة زائد في الوجود إذ كان اللّٰه و لا أنت ثم كنت فزاد الوجود الحادث فأنت نفل في وجود الحق فلا بد لك من عمل يسمى نفلا هو أصلك و لا بد من عمل يسمى فرضا و هو أصل الوجود و هو وجود الحق ففي أداء الفرض أنت له و في النفل أنت لك و حبه إياك من حيث ما أنت له أعظم و أشد من حبه إياك من حيث ما أنت لك و «قد ورد في الخبر الصحيح عن اللّٰه تعالى ما تقرب إلى عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه و ما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فكنت سمعه الذي به يسمع و بصره الذي به يبصر و يده التي يبطش و رجله التي بها يمشي و لئن سألني» |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





