الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() من يفر إليه لسكنوا و ما فروا فإذا أردت أن تعرف في فرارك هل أنت موسوي أو محمدي فانظر في ابتداء الغاية و هو حرف من و في انتهاء الغاية و هو حرف إلى فالنبي محمد ﷺ يقول ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللّٰهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الذاريات:50] و قال في تعوذه ﴿وَ أَعُوذُ بِكَ﴾ [المؤمنون:98] فهذا أمره و دعاؤه و قال عن موسى معرفا إيانا ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّٰا خِفْتُكُمْ﴾ [الشعراء:21] و يقال للمحمدي ﴿فَلاٰ تَخٰافُوهُمْ وَ خٰافُونِ﴾ [آل عمران:175] فالحكم عند المحمدي لانتهاء الغاية و عند الموسوي لابتداء الغاية و على الحقيقة فالغاية هي متصورة عنده في الابتداء فهي المحركة لأن الأمور إنما هي بغاياتها و لها وجدت قال عز و جل ﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] فاعتبر الغاية و إن تأخرت في الوجود مثل طالب الاستظلال بالسقف فحركته الغاية إلى ابتدائها فما وقعت العبادة إلا بعد الخلق فالغاية هي التي أبرزتهم إلى الوجود فهي المبتدأ و إن تأخرت في الوجود فما تأخرت بالأثر فإن الحكم و الأثر لها و لذلك قلنا إن الأثر أبدا في الموجود إنما هو للمعدوم و الغاية معدومة و لهذا يصح من الطالب طلبها لأن الموجود غير مراد فالغاية المعدومة هي التي أثرت الإيجاد أو هي سبب في أن أوجد الحق ما أوجده مما لم يكن له وجود عيني قبل هذا الأثر السببي و يسمونه بعض العلماء العلة و بعضهم يسميه الحكمة و بعد أن عرف المعنى فلا مشاحة في الإطلاق [الجهر و الهمس لفظ النفس]و من ذلك الجهر و الهمس لفظ النفس الأمر في العقل و في النفس *** مقرر في الجهر و الهمس فكل ما يشهده ناظري *** أدركه بالعقل و الحس و أشهد المعنى الذي ساقه *** و لست من ذلك في ليس قال إنما سمي الكلام لما له من الأثر في النفس من الكلم الذي هو الجرح في الحس و سمي أيضا باللفظ لأن اللفظ الرمي فرمت النفس ما كان عندها مغيبا بالعبارة إلى إسماع السامعين من غير إن يتعلق به من المتكلم بذلك غيرة فإن غار عليه لم يجهر به و همسه فلا يسمعه إلا من قصده بالأسماع خاصة و إنما وقف الغيرة على الشيء لما علم من بعض السامعين أو من كان عدم احترام ما وقعت من أجله الغيرة فلو عم الاحترام من كل شخص في كل موجود لكان الأمر جهرا كله و أيضا رحمة بالخلق لأنهم إذا أخفي عنهم لم يلزمهم احترام ما لم يسمعوا فلم يعاقبوا [الوجود في السجود]و من ذلك الوجود في السجود إذا وافت حقائقنا اتحدنا *** و فزنا بالعناية بالوجود و حزنا كل مكرمة تبدت *** إلينا منه في حال السجود قال إنما تطلب الوجوه بالسجود رؤية ربها لأن الوجوه مكان الأعين و الأعين محل الأبصار فطلبه في سجوده ليراه من حيث حقيقته فإن التحت للعبد لأنه السفل فربما تخيل العبد تنزيه الحق عن التحت أن يكون له نسبة إليه فشرع له السجود و جعل له فيه القربة ثم نبهه الشرع على ذلك بحديث الهبوط و هو أنا «روينا عن رسول اللّٰه ﷺ أنه قال لو دليتم بحبل لهبط على اللّٰه» و هي إشارة بديعة في الاعتصام بحبل اللّٰه أنه يوصلنا إلى اللّٰه و لهذا قال ابن عطاء لما غاص رجل الجمل في الأرض جل اللّٰه فقال الجمل جل اللّٰه لأن رجل الجمل سجد بالغوص في الأرض يطلب ربه فإن كل أحد إنما يطلب ربه من حقيقته و من حيث هو و نسبة التحت و الفوق إليه سبحانه على السواء لا تحده الجهات و لا تحصره يقول اللّٰه تعالى ﴿وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقٰامُوا التَّوْرٰاةَ﴾ [المائدة:66] و هم أمة موسى ﴿وَ الْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران:3] و هم أمة عيسى ﴿وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [المائدة:66] و هم أهل القرآن و جميع كل من أنزلت عليه صحيفة ﴿لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [المائدة:66] يريد استواءه على العرش و السماء بل كل ما علاه ﴿وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة:66] و هو الذي طلبه رجل الجمل بغوصه و «بقوله ﷺ لو دليتم بحبل لهبط على اللّٰه» مع أنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فالنسب إليه على السواء و ما كان عند ابن عطاء خبر بذلك فكان الجمل أستاذ ابن عطا في هذه المسألة فلله الفوق و التحت كما له الأمر من قبل و من بعد فله نسب مسافات الأمكنة كما إن له نسب مسافات الأزمنة و ما ثم أسرع حركة من البصر في الحواس زمان لمح البصر زمان تعلقه بالكواكب الثابتة فما فوقها و بينهما من البعد في المساحة ما لا يقطع في آلاف من السنين المعلومة عندنا بحركة الأرجل [الجزاء يشهد بالعدل و ترك الفضل]و من ذلك الجزاء يشهد بالعدل و ترك الفضل إذا أنت ساويت العدالة بالجور *** و فضلت أمر الفضل فينا على العدل |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |