«إنما ذلكم» أي القائل لكم إن الناس إلخ «الشيطان يخوِّفُ» ـكم «أولياءه» الكفار «فلا تخافوهم وخافون» في ترك أمري «إن كنتم مؤمنين» حقَّا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 /
482 ، 347 ،
482
ثم قال تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ) أي : يخوفكم أولياءه ، ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة ، قال الله تعالى : ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) [ أي : ف ] إذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجئوا إلي ، فأنا كافيكم وناصركم عليهم ، كما قال تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ) إلى قوله : ( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ) [ الزمر : 36 - 38 ] وقال تعالى : ( فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) [ النساء : 76 ] وقال تعالى : ( أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) [ المجادلة : 19 ] وقال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] وقال [ تعالى ] ( ولينصرن الله من ينصره ) [ الحج : 40 ] وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم [ ويثبت أقدامكم ] ) [ محمد : 7 ] وقال تعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ غافر : 51 ، 52 ] .
قال ابن عباس وغيره : المعنى يخوفكم أولياءه؛ أي بأوليائه، أو من أوليائه؛ فحذف حرف الجر ووصل الفعل إلى الاسم فنصب. كما قال تعالى {لينذر بأسا شديدا} [
الكهف : 2] أي لينذركم ببأس شديد؛ أي يخوف المؤمن بالكافر. وقال الحسن والسدي : المعنى يخوف أولياءه المنافقين؛ ليقعدوا عن قتال المشركين. فأما أولياء الله فإنهم لا يخافونه إذا خوفهم. وقد قيل : إن المراد هذا الذي يخوفكم بجمع الكفار شيطان من شياطين الإنس؛ إما نعيم بن مسعود أو غيره، على الخلاف في ذلك كما تقدم. {فلا تخافوهم} أي لا تخافوا الكافرين المذكورين في قوله {إن الناس قد جمعوا لكم}. أو يرجع إلى الأولياء إن قلت : إن المعنى يخوف بأوليائه أي يخوفكم أولياءه. قوله تعالى {وخافون} أي خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدقين بوعدي. والخوف في كلام العرب الذعر. وخاوفني فلان فخفته، أي كنت أشد خوفا منه. والخوفاء المفازة لا ماء بها. ويقال : ناقة خوفاء وهي الجرباء. والخافة كالخريطة من الأدم يشتار فيها العسل. قال سهل بن عبدالله : اجتمع بعض الصديقين إلى إبراهيم الخليل فقالوا : ما الخوف؟ فقال : لا تأمن حتى تبلغ المأمن. قال سهل : وكان الربيع بن خيثم إذا مر بكير يغشى عليه؛ فقيل لعلي بن أبي طالب ذلك؛ فقال : إذا أصابه ذلك فأعلموني. فأصابه فأعلموه، فجاءه فأدخل يده في قميصه فوجد حركته عالية فقال : أشهد أن هذا أخوف أهل زمانكم. فالخائف من الله تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه إما في الدنيا وإما في الآخرة؛ ولهذا قيل : ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، بل الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعذب عليه. ففرض الله تعالى على العباد أن يخافوه فقال : وقال {وإياي فارهبون}. ومدح المؤمنين بالخوف فقال {يخافون ربهم من فوقهم} [
النحل : 50]. ولأرباب الإشارات في الخوف عبارات مرجعها إلى ما ذكرنا. قال الأستاذ أبو علي الدقاق : دخلت على أبي بكر بن فورك رحمه الله عائدا، فلما رأني دمعت عيناه، فقلت له : إن الله يعافيك ويشفيك. فقال لي : أترى أني أخاف من الموت؟ إنما أخاف مما وراء الموت. وفي سنن ابن ماجه عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله لوددت أني كنت شجرة تعضد). خرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب. ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال : (لوددت أني كنت شجرة تعضد). والله أعلم.
إنَّما المثبِّط لكم في ذلك هو الشيطان جاءكم يخوِّفكم أنصاره، فلا تخافوا المشركين؛ لأنّهم ضعاف لا ناصر لهم، وخافوني بالإقبال على طاعتي إن كنتم مصدِّقين بي، ومتبعين رسولي.
{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه } أي: إن ترهيب من رهب من المشركين، وقال: إنهم جمعوا لكم، داع من دعاة الشيطان، يخوف أولياءه الذين عدم إيمانهم، أو ضعف. { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } أي: فلا تخافوا المشركين أولياء الشيطان، فإن نواصيهم بيد الله، لا يتصرفون إلا بقدره، بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته. وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله.
قوله تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان ) يعني : ذلك الذي قال لكم : ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) من فعل الشيطان ألقى في أفواههم ليرهبوهم ويجبنوا عنهم ، ( يخوف أولياءه ) أي يخوفكم بأوليائه ، وكذلك هو في قراءة أبي بن كعب يعني : يخوف المؤمنين بالكافرين قال السدي : يعظم أولياءه في صدورهم ليخافوهم يدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود " يخوفكم أولياءه " ( فلا تخافوهم وخافون ) في ترك أمري ( إن كنتم مؤمنين ) مصدقين بوعدي فإني متكفل لكم بالنصرة والظفر .
(إِنَّما) كافة ومكفوفة لا محل لها (ذلِكُمُ) اسم إشارة مبتدأ (الشَّيْطانُ) مبتدأ ثان (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) فعل مضارع ومفعول به والفاعل هو والجملة خبر الشيطان وجملة (الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ) خبر ذلكم ويجوز إعراب الشيطان خبر والجملة بعده حالية او مستأنفة (فَلا تَخافُوهُمْ) الفاء الفصيحة أي إذا كنتم آمنتم بذلك فلا تخافوهم (تَخافُوهُمْ) مضارع مجزوم بحذف النون وفاعله ومفعوله والجملة جواب شرط غير جازم (وَخافُونِ) الواو عاطفة (خافُونِ) فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية وحذفت ياء المتكلم جوازا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تكرر إعرابها.
Traslation and Transliteration:
Innama thalikumu alshshaytanu yukhawwifu awliyaahu fala takhafoohum wakhafooni in kuntum mumineena
It is only the devil who would make (men) fear his partisans. Fear them not; fear Me, if ye are true believers.
Şüphe yok ki Tanrı dostlarını korkutan ancak ve ancak Şeytan'dır. Onlardan korkmayın, benden korkun inanmışsanız.
C'est le Diable qui vous fait peur de ses adhérents. N'ayez donc pas peur d'eux. Mais ayez peur de Moi, si vous êtes croyants.
Dies war nichts anderes als der Satan, er macht seinen Wali Angst. So fürchtet sie nicht! Doch fürchtet (nur) Mich, solltet ihr Mumin sein.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran) |
ترتيبها |
3 |
عدد آياتها |
200 |
عدد كلماتها |
3503 |
عدد حروفها |
14605 |
معنى اسمها |
عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا.
فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ):
ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ). |