الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() «الفجر» [مسامرة أهل الليل في محاريبهم]فأهل الليل هم الفائزون بهذه الحظوة في هذه الخلوة و هذه المسامرة في محاريبهم فهم قائمون يتلون كلامه و يفتحون أسماعهم لما يقول لهم في كلامه إذا قال ﴿يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ﴾ [البقرة:21] يصفون و يقولون نحن الناس ما تريد منا يا ربنا في ندائك هذا فيقول لهم عزَّ وجلَّ على لسانهم بتلاوتهم كلامه الذي أنزله ﴿اِتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّٰاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج:1] ﴿يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ﴾ [البقرة:21] يقولون لبيك ربنا يقول لهم اتقوا ربكم ﴿اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرٰاشاً وَ السَّمٰاءَ بِنٰاءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرٰاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاٰ تَجْعَلُوا لِلّٰهِ أَنْدٰاداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22] فيقولون يا ربنا خاطبتنا فسمعنا و فهمتنا ففهمنا فيا ربنا وفقنا و استعملنا فيما طلبته منا من عبادتك و تقواك إذ لا حول لنا و لا قوة إلا بك و من نحن حتى تنزل إلينا من علو جلالك و تنادينا و تسألنا و تطلب منا ﴿يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ﴾ [البقرة:21] يقولون لبيك ﴿إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ فَلاٰ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا﴾ [لقمان:33] فيقولون يا ربنا أسمعتنا فسمعنا و أعلمتنا فعلمنا فأعصمنا و تعطف علينا فالمنصور من نصرته و المؤيد من أيدته و المخذول من خذلته ﴿يٰا أَيُّهَا الْإِنْسٰانُ﴾ [الإنفطار:6] فيقول الإنسان منهم لبيك يا رب ﴿مٰا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الإنفطار:6] فيقول كرمك يا رب فيقول صدقت ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:104] فيقولون لبيك ربنا ﴿اِتَّقُوا اللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ﴾ [آل عمران:102] ﴿اِتَّقُوا اللّٰهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾ [الأحزاب:70] يقولون و أي قول لنا إلا ما تقولنا و هل لمخلوق حول أو قوة إلا بك فاجعل نطقنا ذكرك و قولنا تلاوة كتابك ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:104] فيقولون لبيك ربنا فيقول تعالى ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاٰ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:105] فيقولون ربنا أغريتنا بأنفسنا لما جعلتها محلا لإيمانك فقلت ﴿وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلاٰ تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات:21] و قلت ﴿سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت:53] و الآيات ليست مطلوبة إلا لما تدل عليه و أنت مدلولها فكأنك تقول في قولك ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة:105] أي ألزمونا و ثابروا علينا و ألظوا بنا ثم قلت ﴿لاٰ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ﴾ [المائدة:105] أي حار و تلف حين طلبنا بفكره فأراد أن يدخلنا تحت حكم نظره و عقله ﴿إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:105] بما عرفتكم به مني في كتابي و على لسان رسولي فعرفتموني بما وصفت لكم به نفسي فما عرفتموني إلا بي فلم تضلوا فكانت لكم هدايتي و تقريبي نورا تمشون به على صراطنا المستقيم فلا يزال دأب أهل الليل هكذا مع اللّٰه في كل آية يقرءونها في صلاتهم و في كل ذكر يذكرونه به حتى ينصدع الفجر [الليل لله و النهار للإنسان]قال محمد بن عبد الجبار النفري و كان من أهل الليل أوقفني الحق في موقف العلم و ذكر رضي اللّٰه عنه ما قال له الحق في موقفه ذلك فكان من جملة ما قال له في ذلك الموقف يا عبدي الليل لي لا للقرآن يتلى الليل لي لا للمحمدة و الثناء يقول اللّٰه تعالى ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهٰارِ سَبْحاً طَوِيلاً﴾ [المزمل:7] فاجعل الليل لي كما هو لي فإن في الليل نزولي فلا أراك في النهار في معاشك فإذا جاء الليل و طلبتك و نزلت إليك وجدتك نائما في راحتك و في عالم حياتك و ما ثم إلا ليل و نهار فلا في النهار وجدتك و قد جعلته لك و لم أنزل فيه إليك و سلمته لك و جعلت الليل لي فنزلت إليك فيه لأناجيك و أسامرك و أقضي حوائجك فوجدتك قد نمت عني و أسأت الأدب معي مع دعواك محبتي و إيثار جنابي فقم بين يدي و سلني حتى أعطيك مسألتك و ما طلبتك لتتلو القرآن فتقف مع معانيه فإن معانيه تفرقك عني فآية تمشي بك في جنتي و ما أعددت لأوليائي فيها فأين أنا إذا كنت أنت في جنتي مع الحور المقصورات في الخيام كأنهن الياقوت و المرجان متكئا ﴿عَلىٰ فُرُشٍ بَطٰائِنُهٰا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دٰانٍ﴾ [الرحمن:54] تسقى ﴿مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ [المطففين:25] ﴿مِزٰاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾ [المطففين:27] و آية توقفك مع ملائكتي و هم يدخلون عليك ﴿مِنْ كُلِّ بٰابٍ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ بِمٰا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّٰارِ﴾ و آية تستشرف بك على جهنم فتعاين ما أعددت فيها لمن عصاني و أشرك بي من ﴿سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لاٰ بٰارِدٍ وَ لاٰ كَرِيمٍ﴾ و ترى الحطمة ﴿وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْحُطَمَةُ نٰارُ اللّٰهِ الْمُوقَدَةُ اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهٰا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ أي مسلطة ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ [الهمزة:9] أين أنا يا عبدي إذا تلوت هذه الآية و أنت بخاطرك و همتك في الجنة تارة و في جهنم تارة ثم تتلو آية فتمشي بك في القارعة ﴿وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْقٰارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النّٰاسُ كَالْفَرٰاشِ الْمَبْثُوثِ وَ تَكُونُ الْجِبٰالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾ يوم ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّٰا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذٰاتِ حَمْلٍ حَمْلَهٰا وَ تَرَى النّٰاسَ سُكٰارىٰ وَ مٰا هُمْ بِسُكٰارىٰ وَ لٰكِنَّ عَذٰابَ اللّٰهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج:2] و ترى في ذلك اليوم من هذه الآية ﴿يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صٰاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ و ترى العرش في ذلك اليوم تحمله ثمانية أملاك : و في ذلك اليوم ﴿تُعْرَضُونَ﴾ [الحاقة:18] فأين أنا و الليل لي فها أنت يا عبدي في النهار في معاشك و في الليل فيما تعطيه تلاوتك من جنة و نار و عرض فأنت بين آخرة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |