المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المائدة: [الآية 105]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة المائدة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .
[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .
وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع
منهم[ تحقيق الرضا ]
- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .
------------
(119) الفتوحات ج 2 / 222 - ج 4 / 351 ، 432 - ج 2 / 212 - ج 4 / 351 - ج 2 / 212 - ج 4 / 27 ، 18 - ج 2 / 212تفسير ابن كثير:
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم ، ومخبرا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس ، سواء كان قريبا منه أو بعيدا .
قال العوفي ، عن ابن عباس عند تفسير هذه الآية : يقول تعالى : إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده ، إذا عمل بما أمرته به .
وكذا روى الوالبي عنه . وهكذا قال مقاتل بن حيان . فقوله : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) نصب على الإغراء ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) أي : فيجازي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
وليس في الآية مستدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان فعل ذلك ممكنا ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله :
حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زهير - يعني ابن معاوية - حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، حدثنا قيس قال : قام أبو بكر ، - رضي الله عنه - ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) إلى آخر الآية ، وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله ، عز وجل ، أن يعمهم بعقابه " . قال : وسمعت أبا بكر يقول : يا أيها الناس ، إياكم والكذب ، فإن الكذب مجانب الإيمان .
وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه ، وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، به متصلا مرفوعا ، ومنهم من رواه عنه به موقوفا على الصديق وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولا في مسند الصديق ، - رضي الله عنه - .
وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ، وحدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا عتبة بن أبي حكيم ، حدثنا عمرو بن جارية اللخمي ، عن أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع في هذه الآية؟ فقال : أية آية؟ قلت : قوله [ تعالى ] ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع العوام ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم " - قال عبد الله بن المبارك : وزاد غير عتبة : قيل يا رسول الله ، أجر خمسين رجلا منهم أو منا؟ قال : " بل أجر خمسين منكم " .
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح . وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ورواه ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن عتبة بن أبي حكيم .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الحسن أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال : إن هذا ليس بزمانها ، إنها اليوم مقبولة . ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها ، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا - أو قال : فلا يقبل منكم - فحينئذ ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل )
ورواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية عن ابن مسعود في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) الآية ، قال : كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسا ، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، فقال رجل من جلساء عبد الله : ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك بنفسك ، فإن الله يقول : ( [ يا أيها الذين آمنوا ] عليكم أنفسكم ) الآية . قال : فسمعها ابن مسعود فقال : مه ، لم يجئ تأويل هذه بعد ، إن القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة ، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار . فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ، ولم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا . فإذا اختلفت القلوب والأهواء ، وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه ، عند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية . رواه ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا الربيع بن صبيح ، عن سفيان بن عقال قال : قيل لابن عمر : لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فإن الله قال : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ؟ فقال ابن عمر : إنها ليست لي ولا لأصحابي إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " . فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم .
وقال أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا حدثنا عوف عن سوار بن شبيب قال : كنت عند ابن عمر ، إذ أتاه رجل جليد في العين ، شديد اللسان ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، نفر ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه ، وكلهم مجتهد لا يألو وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة ، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك . فقال رجل من القوم : وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك؟
فقال الرجل : إني لست إياك أسأل ، إنما أسأل الشيخ . فأعاد على عبد الله الحديث ، فقال عبد الله : لعلك ترى ، لا أبا لك ، أني سآمرك أن تذهب فتقتلهم! عظهم وانههم ، فإن عصوك فعليك نفسك فإن الله ، عز وجل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) الآية .
وقال أيضا : حدثني أحمد بن المقدام ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي ، حدثنا قتادة ، عن أبي مازن قال : انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة ، فإذا قوم من المسلمين جلوس ، فقرأ أحدهم هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل ) فقال أكبرهم لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم .
وقال : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا ابن فضالة ، عن معاوية بن صالح عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإني لأصغر القوم ، فتذاكروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقلت أنا : أليس الله يقول في كتابه : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ؟ فأقبلوا علي بلسان واحد وقالوا : تنزع آية من القرآن ولا تعرفها ، ولا تدري ما تأويلها!! حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت ، وأقبلوا يتحدثون ، فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن ، وإنك نزعت بآية ولا تدري ما هي؟ وعسى أن تدرك ذلك الزمان ، إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال : تلا الحسن هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال الحسن : الحمد لله بها ، والحمد لله عليها ، ما كان مؤمن فيما مضى ، ولا مؤمن فيما بقي ، إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله .
وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت .
رواه ابن جرير ، وكذا روي من طريق سفيان الثوري ، عن أبي العميس ، عن أبي البختري ، عن حذيفة مثله ، وكذا قال غير واحد من السلف .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد الدمشقي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن كعب في قوله : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) قال : إذا هدمت كنيسة دمشق ، فجعلت مسجدا ، وظهر لبس العصب ، فحينئذ تأويل هذه الآية .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي: اجتهدوا في إصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الصراط المستقيم، فإنكم إذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم، ولم يهتد إلى الدين القويم، وإنما يضر نفسه. ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه, إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نعم، إذا كان عاجزا عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره. وقوله: { إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا } أي: مآلكم يوم القيامة، واجتماعكم بين يدي الله تعالى. { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشر.
تفسير البغوي
قوله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه " .
وفي رواية " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله سبحانه وتعالى عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب ، ثم ليدعون الله عز وجل خياركم فلا يستجاب [ لكم ] " .
قال أبو عبيد : خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف [ والنهي عن المنكر ] فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر ، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به ، وقد صولحوا عليه ، فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه .
وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الآية في اليهود والنصارى ، يعني : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم .
وعن ابن مسعود قال في هذه الآية : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم ، ثم قال : إن القرآن قد نزل منه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد رسول الله بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن في آخر الزمان ، ومنه آي يقع تأويلهن يوم القيامة ، ما ذكر من الحساب والجنة والنار ، فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا ، وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فامرؤ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد العنزي أخبرنا عيسى بن نصر أنا عبد الله بن المبارك أنا عتبة بن أبي حكيم حدثني عمرو بن جارية اللخمي أنا أبو أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت : يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال : أية آية؟ قلت : قول الله عز وجل ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمرا لا بد لك منه فعليك نفسك ودع أمر العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر ، فمن صبر فيهن قبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله " قال ابن المبارك : وزادني غيره قالوا : يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال : " أجر خمسين منكم " .
وقيل : نزلت في أهل الأهواء ، قال أبو جعفر الرازي : دخل على صفوان بن محرز شاب من أهل الأهواء فذكر شيئا من أمره ، فقال صفوان ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )
قوله عز وجل : ( إلى الله مرجعكم جميعا ) الضال والمهتدي ، ( فينبئكم بما كنتم تعملون )
الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) سبق اعرابها (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) عليكم اسم فعل أمر بمعنى احفظوا، والفاعل ضمير مستتر. أنفسكم مفعول به والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم للجمع.
(لا يَضُرُّكُمْ) يضر فعل مضارع، والكاف مفعوله واسم الموصول (مَنْ) فاعله، ولا نافية لا عمل لها، والجملة مستأنفة، (ضَلَّ) فعل ماض والجملة صلة الموصول لا محل لها.
(إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) إذا ظرفية شرطية غير جازمة متعلقة بالجواب المقدر أي إذا اهتديتم فلا يضركم من ضل. واهتديتم فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعله والجملة في محل جر بالإضافة.
(إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) إلى اللّه: متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. مرجعكم أي مرجعكم صائر إلى اللّه. جميعا حال منصوبة. والجملة مستأنفة، (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الفاء عاطفة. ينبئكم فعل مضارع مرفوع والكاف مفعوله. بما جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. وجملة كنتم صلة الموصول ما وجملة تعملون في محل نصب خبر كان.