المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحج: [الآية 1]
سورة الحج | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
«وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» الهاء من جهاده تعود على اللّه ، أي يتصفون بالجهاد ، أي في حال جهاده صفة الحق ، أي لا يرون مجاهدا إلا اللّه ، وذلك لأن الجهاد وقع فيه ، ولا يعلم أحد كيف الجهاد في اللّه إلا اللّه ، فإذا ردوا ذلك إلى اللّه وهو قوله : «حَقَّ جِهادِهِ» فنسب الجهاد إليه بإضافة الضمير ، فكان المجاهد لا هم ، أي لا يرون لأنفسهم عملا وإن كانوا محل ظهور الآثار . قال اللّه لموسى عليه السلام يا موسى اشكرني حق الشكر ، قال يا رب ومن يقدر على ذلك ، قال إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني حق الشكر - أخرجه
ابن ماجة في سننه - قال تعالى : «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ» فكل عمل أضفته إلى اللّه عن ذوق ومشاهدة ، لا عن اعتقاد وحال بل عن مقام وعلم صحيح فقد أعطيت ذلك العمل حقه حيث رأيته ممن هو له «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» تأمل هذه الآية
فإن لها وجهين كبيرين قريبين خلاف ما لها من الوجوه ، أي خففت عنكم في الحكم ، وما أنزلت عليكم ما يحرجكم ،
وينظر إلى هذا قوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها»
وقوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها»
وقوله عليه السلام : [ بعثت بالحنيفية السمحاء ]
وقوله عليه السلام : [ إن الدين يسر ]
فلا يكون الحق يراعي اليسر في الدين ورفع الحرج ويفتي المفتي بخلاف ذلك ، فإن النفوس أبت أن تقف عند الأحكام المنصوص عليها ، فأثبتت لها عللا وجعلتها مقصودة للشارع وطردتها ، وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة اقتضاها نظر الجاعل المجتهد ، ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من الإباحة والعافية ، فكثرت الأحكام بالتعليل وطرد العلة والقياس والرأي والاستحسان ،
وما كان ربك نسيا ، ولكن بحمد اللّه جعل اللّه في ذلك رحمة أخرى لنا ، لولا أن الفقهاء حجرت هذه الرحمة على العامة ، بإلزامهم إياها مذهب شخص معين لم يعينه اللّه ولا رسوله ، ولا دل عليه ظاهر كتاب ولا سنة صحيحة ولا ضعيفة ،
ومنعوه أن يطلب رخصة في نازلته في مذهب عالم آخر اقتضاه اجتهاده ، وشددوا في ذلك وقالوا هذا يفضي إلى التلاعب بالدين ، وتخيلوا أن ذلك دين ، وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه تصدق عليكم فاقبلوا صدقته ]
فالرخص مما تصدق اللّه بها على عباده ، وقد أجمعنا على تقرير حكم المجتهد وعلى تقليد العامي له في ذلك الحكم لأنه عنده عن دليل شرعي ، سواء كان صاحب قياس أو غير قائل به ، فتلك الرخصة التي رآها الشافعي في مذهبه على ما اقتضاه دليله ،
وقد قررها الشرع فيمنع المفتي من المالكية المالكي المذهب أن يأخذ برخصة الشافعي التي تعبده بها الشارع –
وإنما أضفناها إلى الشارع لأن الشرع قررها - بمنعه مما يقتضيه الدليل في الأخذ به بأمر لا يقتضيه الدليل الذي لا أصل له ، وهو ربط الرجل نفسه بمذهب خاص لا يعدل عنه إلى غيره ،
ويحجر عليه ما لم يحجر الشرع عليه ، وهذا من أعظم الطوام وأشق الكلف على عباد اللّه ،
فالذي وسع الشرع بتقرير حكم المجتهدين في هذه الأمة ضيقه عوام الفقهاء ،
وأما الأئمة مثل أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي فحاشاهم من هذا ،
ما فعله واحد منهم قط ، ولا نقل عنهم أنهم قالوا لأحد اقتصر علينا ، ولا قلدني فيما أفتيك به ، بل المنقول عنهم خلاف هذا رضي اللّه عنهم ،
والوجه الآخر في قوله تعالى:" وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " رفع الحديث من النفس عند توجه الحكم بما لا يوافق الغرض وتمجه النفس ، فكأنه خاطب المؤمنين ومن وجد الحرج ليس بمؤمن ،
وهذا صعب جدا ، فإذا قال تعالى : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» فللإنسان إذا توجه عليه حكم بفتيا عالم من العلماء تصعب عليه أن يبحث عند العلماء المجتهدين ،
هل له في تلك النازلة حكم من الشرع أهون من ذلك ، فإن وجده عمل به وارتفع الحرج ، وإن وجد الإجماع في تلك النازلة على ذلك الحكم الذي صعب عليه ، قبله إن كان مؤمنا طيب النفس ، وعادت حزونته سهولة ،
ودفعه له قبولا لما حكم عليه به اللّه ، فيصح بذلك عنده إيمانه ، وهي علامة له على ثبوت الإيمان عنده ، ولما كان هذا المقام شامخا عسيرا على النفوس نيله ،
أقسم بنفسه جل وتعالى عليه ، ولما لم يكن المحكوم عليهم يسمعون ذلك من اللّه وإنما حكم عليهم بذلك رسول اللّه الثابت صدقه ، النائب عن اللّه وخليفته في الأرض ،
لذلك أضاف الاسم إليه عناية به وشرفا له صلّى اللّه عليه وسلم ،
فقال : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»
«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ» ،
فإبراهيم عليه السلام هو أبونا في الإسلام وهو الذي سمانا مسلمين «وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» فنشهد نحن على الأمم بما أوحى اللّه تعالى به إلينا من قصص أنبيائه مع أممهم ، فالشهادة بالخبر الصادق كالشهادة بالعيان الذي لا ريب فيه ، مثل شهادة خزيمة ، بل الشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين ، لأن خزيمة لو شهد شهادة عين لم تقم شهادته مقام اثنين ، «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» الاعتصام باللّه هو قوله صلّى اللّه عليه وسلم في الاستعاذة «وأعوذ بك منك»
فإنه لا يقاومه شيء من خلقه ، فلا يستعاذ به إلا منه «هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ".
(23) سورة المؤمنون مكيّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
------------
(78) الفتوحات ج 2 / 148 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 1 / 620 - ج 2 / 685 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 / 50 - ج 4 / 85تفسير ابن كثير:
تفسير سورة الحج [ وهي مكية ]
بسم الله الرحمن الرحيم
( ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( 1 ) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ( 2 ) ) .
يقول تعالى آمرا عباده بتقواه ، ومخبرا لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلازلها وأحوالها . وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة : هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة؟ أو ذلك عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من أجداثهم؟ كما قال تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها ) [ الزلزلة : 1 ، 2 ] ، وقال تعالى : ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة ) [ الحاقة : 14 ، 15 ] ، وقال تعالى : ( إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا . فكانت هباء منبثا ) [ الواقعة : 4 - 6 ] .
فقال قائلون : هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا ، وأول أحوال الساعة .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة في قوله : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) ، قال : قبل الساعة .
ورواه ابن أبي حاتم من حديث الثوري ، عن منصور والأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، فذكره . قال : وروي عن الشعبي ، وإبراهيم ، وعبيد بن عمير ، نحو ذلك .
وقال أبو كدينة ، عن عطاء ، عن عامر الشعبي : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) الآية ، قال : هذا في الدنيا قبل يوم القيامة .
وقد أورد الإمام أبو جعفر ابن جرير مستند من قال ذلك في حديث الصور من رواية إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه ، شاخص ببصره إلى العرش ، ينتظر متى يؤمر " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصور؟
قال : " قرن " قال : فكيف هو؟ قال : " قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات ، الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع . فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض ، إلا من شاء الله ، ويأمره فيمدها ويطولها ولا يفتر ، وهي التي يقول الله تعالى : ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) فيسير الله الجبال ، فتكون سرابا وترج الأرض بأهلها رجا ، وهي التي يقول الله تعالى : ( يوم ترجف الراجفة . تتبعها الرادفة . قلوب يومئذ واجفة ) [ النازعات : 6 - 8 ] ، فتكون الأرض ، كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج تكفؤها بأهلها ، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح .
فيمتد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل . ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة ، حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : ( يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ) [ غافر : 32 ، 33 ] فبينما هم على ذلك إذ انصدعت الأرض من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما ، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل ، ثم خسف شمسها وخسف قمرها ، وانتثرت نجومها ، ثم كشطت عنهم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " قال أبو هريرة : فمن استثنى الله حين يقول : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) [ النمل : 87 ] ؟ قال : أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ، وقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ، وهو الذي يقول الله : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) .
وهذا الحديث قد رواه الطبراني ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وغير واحد مطولا جدا .
والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة ، وأضيفت إلى الساعة لقربها منها ، كما يقال : أشراط الساعة ، ونحو ذلك ، والله أعلم .
وقال آخرون : بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال ، كائن يوم القيامة في العرصات ، بعد القيامة من القبور . واختار ذلك ابن جرير . واحتجوا بأحاديث :
الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن هشام ، حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن عمران [ بن ] حصين; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره ، وقد تفاوت بين أصحابه السير ، رفع بهاتين الآيتين صوته : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) فلما سمع أصحابه بذلك حثوا المطي ، وعرفوا أنه عند قول يقوله ، فلما تأشهوا حوله قال : " أتدرون أي يوم ذاك؟ يوم ينادى آدم ، عليه السلام ، فيناديه ربه عز وجل ، فيقول : يا آدم ، ابعث بعثك إلى النار فيقول : يا رب ، وما بعث النار؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار ، وواحد في الجنة " . قال فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة ، فلما رأى ذلك قال : " أبشروا واعملوا ، فوالذي نفس محمد بيده ، إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ، ومن هلك من بني آدم وبني إبليس " قال : فسري عنهم ، ثم قال : اعملوا وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده ، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير ، أو الرقمة في ذراع الدابة " .
وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما ، عن محمد بن بشار ، عن يحيى - وهو القطان - عن هشام - وهو الدستوائي - عن قتادة ، به بنحوه . وقال الترمذي : حسن صحيح .
طريق أخرى لهذا الحديث : قال الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا ابن جدعان ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما نزلت : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) إلى قوله : ( ولكن عذاب الله شديد ) ، قال : أنزلت عليه هذه ، وهو في سفر ، فقال : " أتدرون أي يوم ذلك؟ " فقالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " ذلك يوم يقول الله لآدم : ابعث بعث النار . قال : يا رب ، وما بعث النار؟ قال : تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة " فأنشأ المسلمون يبكون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاربوا وسددوا ، فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية " قال : " فيؤخذ العدد من الجاهلية ، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين ، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة ، أو كالشامة في جنب البعير " ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " فكبروا ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " فكبروا ، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " فكبروا ، قال : ولا أدري أقال الثلثين أم لا؟
وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة ، ثم قال الترمذي أيضا : هذا حديث حسن صحيح .
وقد روي عن سعيد بن أبي عروبة عن الحسن ، عن عمران بن الحصين . وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن والعلاء بن زياد العدوي ، عن عمران بن الحصين ، فذكره .
وهكذا روى ابن جرير عن بندار ، عن غندر ، عن عوف ، عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العسرة ومعه أصحابه بعد ما شارف المدينة قرأ : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) وذكر الحديث ، فذكر نحو سياق ابن جدعان ، فالله أعلم .
الحديث الثاني : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن الطباع ، حدثنا أبو سفيان - [ يعني ] المعمري - عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس قال : نزلت : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) وذكر - يعني : نحو سياق الحسن عن عمران - غير أنه قال : " ومن هلك من كفرة الجن والإنس " .
رواه ابن جرير بطوله ، من حديث معمر .
الحديث الثالث : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد - يعني : ابن العوام - حدثنا هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فذكر نحوه ، وقال فيه : " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " ، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة " ففرحوا ، وزاد أيضا : " وإنما أنتم جزء من ألف جزء " .
الحديث الرابع : قال البخاري عند هذه الآية : حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى يوم القيامة : يا آدم ، فيقول : لبيك ربنا وسعديك . فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار . قال : يا رب ، وما بعث النار؟ قال : من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعين . فحينئذ تضع الحامل حملها ، ويشيب الوليد ، ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ، ومنكم واحد ، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " . فكبرنا ، ثم قال : " ثلث أهل الجنة " . فكبرنا ، ثم قال : " شطر أهل الجنة " فكبرنا .
وقد رواه البخاري أيضا في غير هذا الموضع ، ومسلم ، والنسائي في تفسيره ، من طرق ، عن الأعمش ، به .
الحديث الخامس : قال الإمام أحمد : حدثنا عمار بن محمد - ابن أخت سفيان الثوري - وعبيدة المعنى ، كلاهما عن إبراهيم بن مسلم ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا [ ينادي ] : يا آدم ، إن الله يأمرك أن تبعث بعثا من ذريتك إلى النار ، فيقول آدم : يا رب ، من هم؟ فيقال له : من كل مائة تسعة وتسعين " . فقال رجل من القوم : من هذا الناجي منا بعد هذا يا رسول الله؟ قال : " هل تدرون ما أنتم في الناس إلا كالشامة في صدر البعير " .
انفرد بهذا السند وهذا السياق الإمام أحمد .
الحديث السادس : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، حدثنا ابن أبي مليكة; أن القاسم بن محمد أخبره ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا " . قالت عائشة : يا رسول الله ، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال : " يا عائشة ، إن الأمر أشد من أن يهمهم ذاك " . أخرجاه في الصحيحين .
الحديث السابع : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ، هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال : " يا عائشة ، أما عند ثلاث فلا ، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف ، فلا . وأما عند تطاير الكتب فإما يعطى بيمينه أو يعطى بشماله ، فلا . وحين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم ، ويتغيظ عليهم ، ويقول ذلك العنق : وكلت بثلاثة ، وكلت بثلاثة ، وكلت بثلاثة : وكلت بمن ادعى مع الله إلها آخر ، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب ، ووكلت بكل جبار عنيد " قال : " فينطوي عليهم ، ويرميهم في غمرات ، ولجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف ، عليه كلاليب وحسك يأخذن من شاء الله ، والناس عليه كالطرف وكالبرق وكالريح ، وكأجاويد الخيل والركاب ، والملائكة يقولون : رب ، سلم ، سلم . فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومكور في النار على وجهه " .
والأحاديث في أهوال يوم القيامة والآثار كثيرة جدا ، لها موضع آخر ، ولهذا قال تعالى : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) أي : أمر كبير ، وخطب جليل ، وطارق مفظع ، وحادث هائل ، وكائن عجيب .
والزلزال : هو ما يحصل للنفوس من الفزع ، والرعب كما قال تعالى : ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) [ الأحزاب : 11 ] .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يخاطب الله الناس كافة، بأن يتقوا ربهم، الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة، فحقيق بهم أن يتقوه، بترك الشرك والفسوق والعصيان، ويمتثلوا أوامره، مهما استطاعوا.
ثم ذكر ما يعينهم على التقوى، ويحذرهم من تركها، وهو الإخبار بأهوال القيامة، فقال:
{ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } لا يقدر قدره، ولا يبلغ كنهه، ذلك بأنها إذا وقعت الساعة، رجفت الأرض وارتجت، وزلزلت زلزالها، وتصدعت الجبال، واندكت، وكانت كثيبا مهيلا، ثم كانت هباء منبثا، ثم انقسم الناس ثلاثة أزواج.فهناك تنفطر السماء، وتكور الشمس والقمر، وتنتثر النجوم، ويكون من القلاقل والبلابل ما تنصدع له القلوب، وتجل منه الأفئدة، وتشيب منه الولدان، وتذوب له الصم الصلاب
تفسير البغوي
مكية غير آيات من قوله عز وجل ( هذان خصمان ) إلى قوله ( وهدوا إلى صراط الحميد ) .
( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) أي احذروا عقابه بطاعته ، ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) والزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحالة الهائلة واختلفوا في هذه الزلزلة
فقال علقمة والشعبي : هي من أشراط الساعة . [ وقيل قيام الساعة ] .
وقال الحسن والسدي : هذه الزلزلة تكون يوم القيامة .
وقال ابن عباس : زلزلة الساعة قيامها فتكون معها .
الإعراب:
(يا) للنداء (أَيُّهَا) منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب مفعول به لأدعو المقدرة وها للتنبيه (النَّاسُ) بدل أو عطف بيان وجملة النداء ابتدائية (اتَّقُوا) أمر مبني على حذف النون والواو فاعل (رَبَّكُمْ) مفعول به والكاف مضاف إليه والجملة لا محل لها لأنها ابتدائية (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ) إن واسمها وخبرها والساعة مضاف إليه (عَظِيمٌ) صفة شيء والجملة تعليلية لا محل لها.