الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الذي أحدثه فهو مثل قوله تعالى ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] فلو لا القيومية السارية في النفس ما ظهرت الحروف و لو لا القيومية الظاهرة في الحروف بحكمها ما ظهرت الكلمات بتأليفها و إنما جئنا بهذا ضرب مثال محقق واقع لوجود الكائنات عن نفس الحق فاعلم ذلك و قد تقدم ذكره في باب النفس من هذا الكتاب و اعلم أنه في ليلة تقييدي هذا الوجه أريت في النوم ورقة زنجارية اللون جاءت إلي من الحق مكتوبة ظهرا و بطنا بخط خفي لا يظهر لكل أحد فقرأته في النوم لضوء القمر فكان فيه نظما و نثرا و استيقظت قبل أن أتم قراءته فما رأيت أعجب منه و لا أغمض من معاينة لا يكاد يفهم فكان مما عقلت من نظمه ما أذكره و كان في حق غيري كذا قرر لي في النوم و ذكر لي الشخص الذي كان في حقه فعرفته و كأني في أرض الحجاز في برية ينبوع بين مكة و المدينة إذا دل أمر اللّٰه في كل حالة *** على العزة العظمى فما ينفع الجحد و جاء كتاب اللّٰه يخبر انه *** من اللّٰه تحقيقا فذلكم القصد و لله عين الأمر من قبل إذ أتى *** إلي بما يجريه فيه و من بعد فسبحان من حيي الفؤاد بذكره *** فكان له الشكر المنزه و الحمد إذا كان عبدي هكذا كنت عينه *** و إن لم يكن فالعبد عبدك يا عبد و أما النثر فأنسيته لما استيقظت إلا إني أعرف أنه كان توقيع من الحق لي بأمور انتفع بها هذا جل الأمر و هي في خاطري مصورة من أسباب الدنيا يتسع فيها رزق اللّٰه و يشكر اللّٰه تعالى من كان ذلك على يده و يثبته ﴿وَ اللّٰهُ عَلىٰ مٰا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص:28] «حضرة الوجدان و هي حضرة كن»إن الوجود بجود الحق مرتبط *** و كلنا فيه مسرور و مغتبط إن الذي توجد الأعيان همته *** هو الوجود الذي بالجود يرتبط لو أن ما عنده عندي لقلت به *** لكنني مفلس لذاك نشترط كشرط موسى عليه حين أرسله *** إلى جبابرة من ربهم قنطوا فجاء من عندهم صفر اليدين و ما *** خابت مقاصده لكنهم قسطوا [الواجد و هو الذي لا يعتاص عليه شيء]يدعى صاحبها عبد الواجد بالجيم و هو الذي لا يعتاص عليه شيء و هو الغني بالأشياء فإذا طلب أمرا ما و لم يكن ذلك المطلوب أي لم يحصل فيكون تعويقه من قبله فإنه لا يعتاص عليه شيء مثاله طلب من أبي جهل أن يؤمن بأحدية اللّٰه و برسوله و بما جاء من عنده فلم يجبه إلى ما طلبه منه فالظاهر من إبايته أنه ليس بواجد لما طلب منه و المنع إنما كان منه إذ لم يعطه التوفيق و لو شاء لهديكم أجمعين فهو الواجد بكن إذا تعلقت الإرادة بكونه فما يعتاص عليه شيء يقول له كن فلو قال للإيمان كن في محل أبي جهل و غيره ممن لم يؤمن و خاطبه بالإيمان لكان الايمان في محل المخاطب أبي جهل و غيره فكونه واجدا إنما هو بكن و ما عدا كن فما هو من حضرة الوجدان و كذلك عرضه عزَّ وجلَّ الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال أن يحملنها ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا﴾ [الأحزاب:72] من أجل الذم الذي كان من اللّٰه لمن حملها و هو أن اللّٰه وصف حاملها بالظلم و الجهل ببنية المبالغة فإن حاملها ظلوم لنفسه جهول بقدر الأمانة و إذا تحقق العبد بهذه الحضرة لم يعتص عليه شيء من الممكنات و تحققه أن يكون الحق لسانه ليس غير ذلك فلا يريد شيئا إلا كان فهو واجد لكل شيء و كل من هذه حالته و وقع له توقف فيما يريد تكوينه و وجوده فقد اعتاص عليه فحاله فيه الحال الذي قال اللّٰه فيمن سبق في علمه أنه لا يؤمن بالله أن يؤمن بالله فهو و إن نطق بالله فهو مثل نطق الحق بالعبد «كقوله إن اللّٰه قال على لسان عبده سمع اللّٰه لمن حمده» و «قوله إن اللّٰه عند لسان كل قائل» في بعض محتملاته فإذا قال اللّٰه على لسان من شاء من عباده و أمر فقد يقع المأمور به من المأمور و قد لا يقع و إذا قال للمأمور به كن فإنه يقع و لا بد إذا قلت قال اللّٰه فالقول صادق *** و إن قلت قال الناس فالقول للناس فلا تدعى في القول إنك قائل *** و كن حاضرا بالله في صورة الناس |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |