الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)يقول يلتذ بالموت تلذذ آكل العسل و هذه الإشارة فيها غنية لمن نظر و استبصر ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الحي حضرة الحياة»إن الحياة حياة القلب لا الجسد *** كذاق أنزله الرحمن في خلدي و الناس ليس لهم سوى جسومهم *** فإنها عندهم عليه السند فيهلكون و لا عقل يصدهم *** عنها و لو أنهم في الواضح الحدد و ليس فيهم رشيد في تصرفه *** و ما هم من يبيع الغي بالرشد إن الغواية أصل عندهم و لذا *** تراهم عن وجود الحق في حيد [إن القيومية من لوازم الحي]يدعى صاحبها عبد الحي و هو نعت إلهي يقول اللّٰه تعالى ﴿اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255] و قال عز و جل ﴿وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [ طه:111] و لما كانت القيومية من لوازم الحي استصحبها في الذكر مع الحي فكل معلوم حي فإن المعلوم هو الذي أعطى العلم به للعالم به و لو كان العدم فإنه لا يعطي إلا من الحياة صفته ﴿وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] لأنهم لا يبصرون فالحياة للحي كنور الشمس للشمس فكل من يشهده تنوره *** تنويرها إياه ما تصوره فيه و حكم الأمر ما تقرره *** تعطي الذي تعطي و ما تكرره و إنها من لطفها ما تشعره *** بأنها هي التي تبصره كذلك الحي بذاته يحيي به كل من يراه و ما يغيب عنه شيء فكل شيء به حي «القيوم حضرة القيومية»إلى القيوم لا أبغي سواه *** قطعت مفاوزا فيه و آلا عسى أحظى بجود ما أراه *** يزول بنا فينتقل انتقالا إذا ما أمت الأفكار ذاتي *** يورثها تفكرها خيالا و يعقبها إذا تمشي إليه *** بلا فكر وصالا و اتصالا [القيومية من نعوت الحي]يدعى صاحبها عبد القيوم و لما كانت القيومية من نعوت الحي استصحبته فما تذكر إلا و هي معه فهي القيوم ﴿عَلىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33] فكل معلوم حي فكل معلوم قيوم أي له قيومية و كذلك هو فإنه لو لا أنه قيوم ما أعطى العالم علمه و بعلمه أعطى العالم خلقه لأنه لا يعطيه إلا علمه فيه و علمه فيه إنما كان منه فلا بد أن يظهر في وجوده بخلقه من غير زيادة و لا نقصان و لا يكون إلا كذا و لذا قال موسى ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] فأخبر بإحاطة علمه و لم يكن ذلك لفرعون مع دعواه الربوبية فعلم فرعون ما قالاه و سكت و تبين له أنه الحق لكن حب الرئاسة منعه من الاعتراف الذي قام بنا في كوننا *** يا خليلي إنما قام بنا فإذا حققت ما فهت به *** فاحكم إن شئت علينا أو لنا ما ثنى الجود علينا جوده *** بسوانا فقل الجود أنا ما نعمنا بسوانا فانظروا *** في كلامي تجدوه بينا فسرت القيومية بذاتها في كل شيء و لهذا قال لنا ﴿وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ﴾ [البقرة:238] فلو لا سريان القيومية فينا ما أمرنا و كذلك فعلنا قمنا له و به فمنا شاهدت ذلك عيانا كما شهدته إيمانا و إنما تعجبت ممن يقول بأن القيومية لا يتخلق بها و إنها من خصائص الحق و القيومية بالكون أحق لأنها سارية فيه و بها ظهرت الأسماء الإلهية فبها أقام الكون الحق أن يقيمه و لو لا ذلك ما ظهر للخلق عين و لا حكم الألف قيوم الحروف و ليس بحرف فهو مظهرها و هو لا يشبهها فامتداده لذاته لا يتناهى و امتداد حكمه بإيجاد الحرف غير متناه لأن في طريقه منازل الحروف بالقوة و الاستعداد فإذا انتهى إلى منزل ما من منازلها وقف عنده ليرى أي حرف هو فبرز الحرف فسمى ذلك المكان مخرج ذلك الحرف فيعلمه و هو |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |