الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة القصص: [الآية 28]

سورة القصص
قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا ٱلْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَٰنَ عَلَىَّ ۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴿28﴾

تفسير الجلالين:

«قال» موسى «ذلك» الذي قلته «بيني وبينك أيما الأجلين» الثماني أو العشر وما زائدة أي رعيه «قضيت» به أي فرغت منه «فلا عدوان عليَّ» بطلب الزيادة عليه «والله على ما نقول» أنا وأنت «وكيل» حفيظ أو شهيد فتم العقد بذلك وأمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه وكانت عصيُّ الأنبياء عنده فوقع في يدها عصا آدم من آس الجنة فأخذها موسى بعلم شعيب.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ88)

)

[ وحدة الوجود ]

تفسير هذه الآية من وجوه ، وذلك راجع إلى الضمير في قوله تعالى : «إِلَّا وَجْهَهُ» فإنه من وجه يعود على الشيء ، ومن وجه يعود على الحق ، فمن الوجه الذي يعود فيه الضمير على الحق يقول تعالى : «وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» نهى تعالى أن يدعو مع اللّه إلها ، فنكّر المنهي عنه ، إذ لم يكن ثمّ ، إذ لو كان ثمّ لتعين ، ولو تعين لم يتنكر ، فدل على أنه من دعا مع اللّه إلها آخر فقد نفخ في غير ضرم ، واستسمن ذا ورم ، وكان دعاؤه لحما على وضم ، ليس له متعلق يتعين ، ولا حق يتضح ويتبين ، فكان مدلول دعائه العدم المحض ، فلم يبق إلا من له الوجود المحض «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ» فكل شيء يتخيل فيه أنه شيء هالك في عين شيئيته عن نسبة الألوهية إليه لا عن شيئيته «إِلَّا وَجْهَهُ» فوجه الحق باق ، وهو ذو الجلال والإكرام والآلاء الجسام ، فالحق الخالص من كان في ذاته يعلم فلا يجهل ، ويجهل فلا يحاط به علما ، فعلم من حيث أنه لا يحاط به علما ، وجهل من حيث أنه لا يحاط به علما ، فعلم من حيث جهل ، فالعلم به عين الجهل به ، فإذا علمنا أن الحقيقة واحدة دون


أن تنسب إلى قديم أو حديث ، نقول : جعل اللّه نفسه عين كل شيء بقوله تعالى : «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» لأن السبحات له ، فهي مهلكة ، والمهلك لا يكون هالكا ، فكل شيء هو موجود تشاهده حسا وعقلا ليس بهالك ، لأن وجه الشيء حقيقته ، فما في الوجود إلا اللّه ، فما في الوجود إلا الخير وان تنوعت الصور ، فكل ما ظهر فما هو إلا هو ، لنفسه ظهر ، فما يشهده أمر ولا يكثّره غير ،

ولذلك قال : «لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» أي من يعتقد أن كل شيء جعلناه هالكا ، وما عرف ما قصدناه إذا رآه ما يهلك ، ويرى بقاء عينه مشهودا له دنيا وآخرة ، علم ما أردنا بالشيء الهالك ، وأن كل شيء لم يتصف بالهلاك فهو وجهي ، فعلم أن الأشياء ليست غير وجهي فإنها لم تهلك ، فرد حكمها إلي ، فهذا معنى قوله : «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» وهو معنى لطيف يخفى على من لم يستظهر القرآن ، فالعالم لم يزل مفقود العين هالكا بالذات في حضرة إمكانه ، وأحكامه يظهر بها الحق لنفسه بما هو ناظر من حقيقة حكم ممكن آخر ،

فالعالم هو الممد بذاته ما يظهر في الكون من الموجودات ، وليس إلا الحق لا غيره ، وبعبارة أخرى «لَهُ الْحُكْمُ» وهو ما ظهر في عين الأشياء ،

ثم قال : «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» أي مردكم من كونكم أغيارا إليّ ، فيذهب حكم الغير ، فالأحكام في الحق صور العالم كله ، ما ظهر منه وما يظهر ، والأحكام منه ولهذا قال : «لَهُ الْحُكْمُ» ثم يرجع الكل إلى أنه عينه ، فهو الحاكم بكل حكم في كل شيء حكما ذاتيا لا يكون إلا هكذا ، فسمى نفسه بأسمائه ، فحكم عليه بها ، وسمى ما ظهر به من الأحكام الإلهية في أعيان الأشياء ليميز بعضها عن بعض ،

فأعيان العالم لا يقال :إنها عين الحق ولا غير الحق ، بل الوجود كله حق ، ولكن من الحق ما يتصف بأنه مخلوق ، ومنه ما يوصف بأنه غير مخلوق ، لكنه كل موجود ، فإنه موصوف بأنه محكوم عليه بكذا ، فالكل محكوم عليه ، كما حكمنا على كل شيء بالهلاك ، وحكمنا على وجهه بالاستثناء من حكم الهلاك ،

ومن ذلك يكون وجه الشيء حقيقته ، فالشيء هنا ما يعرض لهذه الذات ، فإن كان للعارض وجه فما يهلك في نفسه ، وإنما يهلك بنسبته إلى ما عرض له ، فكل شيء وهو جميع صور العالم «هالِكٌ» موصوف بالهلاك يعني من حيث صوره ، فهو هالك بالصورة للاستحالات ، لأن هالك خبر المبتدأ الذي هو «كُلُّ شَيْءٍ» أي كل ما ينطلق عليه اسم شيء ، فهو هالك في حال اتصافه بالوجود ، كما هو هالك في حال اتصافه بالهلاك الذي


هو العدم ، فلا يزال كل شيء هالك كما لم يزل ، لم يتغير عليه نعت ولا تغير على الوجود نعت ، والموصوف بأنه موجود موجود ، والموصوف بأنه معدوم معدوم ، فإن وصف الممكن بالوجود فهو مجاز لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون موجودا ، فإن العدم للممكن ذاتي ، أي من حقيقة ذاته أن يكون معدوما «إِلَّا وَجْهَهُ»

الاستثناء هنا استثناء منقطع ، والضمير في وجهه يعود على الشيء ، ووجهه ذاته وعينه وكونه وحقيقته ، فهي شيئية ذاته ، وهي المستثناة ولا بد ، لأن الحقائق لا تتصف بالهلاك ، وإنما يتصف بالهلاك الأمور العوارض للحقائق من نسبة بعضها إلى بعض ، فكل شيء من صور العالم هالك من حيث صورته ، إلا من حقائقه فليس بهالك ، ولا يتمكن أن يهلك ، فهو غير هالك من حيث وجهه وحقيقته ، فتختلف عليه الأحكام باختلاف الصور ، فما ثمّ إلا هلاك وإيجاد في عين واحدة ، ومثال ذلك للتقريب ، أن صورة الإنسان إذا هلكت ولم يبق لها في الوجود أثر ، لم تهلك حقيقته التي يميزها الحد ، وهي عين الحد له ،

فنقول : الإنسان حيوان ناطق ، ولا نتعرض لكونه موجودا أو معدوما ، فإن هذه الحقيقة لا تزال له وإن لم تكن له صورة في الوجود ، فالحقائق في العلم معقولات ، وهي للحق معلومات ، وللحق ولأنفسها معقولات ، ولا وجود لها في الوجود الوجودي ولا في الوجود الإمكاني ، فيظهر حكمها في الحق فتنسب إليه وتسمى أسماء إلهية ، فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق ، وتنسب أيضا إلى الخلق بما يظهر من حكمها فيه ، فينسب إليها من نعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق ، فهي الحادثة القديمة ، والأبدية الأزلية ، فالعالم إن نظرت حقيقته وجدته عرضا زائلا ، أي في حكم الزوال ، وهو قوله تعالى : «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ أصدق بيت قالته العرب قول لبيد : ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل ] يقول ما له حقيقة يثبت عليها من نفسه ، فما هو موجود إلا بغيره ، ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ أصدق بيت قالته العرب : ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل ]

-وجه آخر - «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ» فإنه لا يبقى حالة أصلا في العالم كونية ولا إلهية ، وهو قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) «إِلَّا وَجْهَهُ» يريد ذاته ، إذ وجه الشيء ذاته ، فلا تهلك ، فكل ما سوى ذات الحق فهو في مقام الاستحالة السريعة والبطيئة ، وهو تبدله من صورة إلى صورة دائما أبدا ، فالضمير في وجهه يعود على الشيء ، فالشيء هالك من حيث صورته ، غير هالك من حيث وجهه


وحقيقته ، وليس إلا وجود الحق الذي ظهر به لنفسه . «لَهُ الْحُكْمُ» أي لذلك الشيء الحكم في الوجه ، فتختلف عليه الأحكام باختلاف الصور «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» في ذلك الحكم ، أي إلى ذلك الشيء يرجع الحكم الذي حكم به على الوجه ، فما ثم إلا هلاك وإيجاد في عين واحدة ، ومن هذه الآية لا نثبت إطلاق لفظ الشيئية على ذات الحق ، لأنها ما وردت ولا خوطبنا بها ، والأدب أولى ،

" وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"

[ توحيد الحكم ]

هذا هو التوحيد الرابع والعشرون في القرآن ، وهو توحيد الحكم بالتوحيد الذي إليه رجوع الكثرة إذ كان عينها ، وهو توحيد الهوية «لَهُ الْحُكْمُ» وهو القضاء «وَإِلَيْهِ» الضمير في إليه يعود على الحكم فإنه أقرب مذكور ، فالقضاء الذي له المضي في الأمور هو الحكم الإلهي على الأشياء «تُرْجَعُونَ» أي إلى القضاء .

(29) سورة العنكبوت مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(88) الفتوحات ج 4 / 417 - ج 2 / 417 - ج 3 / 419 - ج 2 / 100 - ج 3 / 373 ، 419 - ج 4 / 417 - ج 3 / 419 - ج 2 / 99 - ج 3 / 255 - ج 2 / 99 ، 224 - ج 4 / 349 - ج 3 / 255 ، 419 ، 443 - ج 2 / 313 - ج 3 / 255 - ج 2 / 99 ، 416 -ح 3 / 112

تفسير ابن كثير:

وقوله تعالى إخبارا عن موسى ، عليه السلام : ( قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ) ، يقول : إن موسى قال لصهره : الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين ، فإن أتممت عشرا فمن عندي ، فأنا متى فعلت أقلهما [ فقد ] برئت من العهد ، وخرجت من الشرط ; ولهذا قال : ( أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ) أي : فلا حرج علي مع أن الكامل - وإن كان مباحا لكنه فاضل من جهة أخرى ، بدليل من خارج . كما قال [ الله ] تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ) [ البقرة : 203 ] .

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحمزة بن عمرو الأسلمي ، رضي الله عنه ، وكان كثير الصيام ، وسأله عن الصوم في السفر - فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر .

هذا وقد دل الدليل على أن موسى عليه السلام ، إنما فعل أكمل الأجلين وأتمهما ; قال البخاري :

حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا مروان بن شجاع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة : أي الأجلين قضى موسى ؟ فقلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله . فقدمت فسألت ابن عباس ، رضي الله عنه ، فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله إذا قال فعل . هكذا رواه البخاري وهكذا رواه حكيم بن جبير وغيره ، عن سعيد بن جبير . ووقع في " حديث الفتون " ، من رواية القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ; أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية . والأول أشبه ، والله أعلم ، وقد روي من حديث ابن عباس مرفوعا ، قال ابن جرير :

حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " سألت جبريل : أي الأجلين قضى موسى قال : أكملهما وأتمهما " .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الحميدي ، عن سفيان - وهو ابن عيينة - حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب - وكان من أسناني أو أصغر مني - فذكره .

قلت : وإبراهيم هذا ليس بمعروف .

ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن أعين ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره . ثم قال : لا نعرفه مرفوعا عن ابن عباس إلا من هذا الوجه .

وقال ابن أبي حاتم : قرئ على يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أنبأنا عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن ميمون الحضرمي ، عن يوسف بن تيرح : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " لا علم لي " . فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل ، فقال جبريل : لا علم لي ، فسأل جبريل ملكا فوقه فقال : لا علم لي . فسأل ذلك الملك ربه - عز وجل - عما سأله عنه جبريل عما سأله عنه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال الرب سبحانه وتعالى : " قضى أبرهما وأبقاهما - أو قال : أزكاهما " .

وهذا مرسل ، وقد جاء مرسلا من وجه آخر ، وقال سنيد : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مجاهد : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل جبريل : " أي الأجلين قضى موسى ؟ " فقال : سوف أسأل إسرافيل . فسأله فقال : سوف أسأل الرب عز وجل . فسأله فقال : " أبرهما وأوفاهما " .

طريق أخرى مرسلة أيضا : قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أوفاهما وأتمهما " .

فهذه طرق متعاضدة ، ثم قد روي [ هذا ] مرفوعا من رواية أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال الحافظ أبو بكر البزار ، حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا عوبد بن أبي عمران الجوني ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أوفاهما وأبرهما " ، قال : " وإن سئلت أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما " .

ثم قال البزار : لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد .

وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عوبد بن أبي عمران - وهو ضعيف - ثم قد روي أيضا نحوه من حديث عتبة بن الندر بزيادة غريبة جدا ، فقال أبو بكر البزار : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن الندر يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أبرهما وأوفاهما " . ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن موسى ، عليه السلام ، لما أراد فراق شعيب عليه السلام ، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به . فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون . قال : فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه ، فولدت قوالب ألوان كلها ، وولدت ثنتين وثلاثا كل شاة ليس فيها فشوش ولا ضبوب ، ولا كميشة تفوت الكف ، ولا ثعول " . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا افتتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها ، وهي السامرية " .

هكذا أورده البزار . وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا فقال :

حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ( ح ) وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن الندر السلمي - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن موسى ، عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه . فلما وفى الأجل - قيل : يا رسول الله ، أي الأجلين ؟ قال - أبرهما وأوفاهما . فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به ، فأعطاها ما ولدت من غنمه من قالب لون من ولد ذلك العام ، وكانت غنمه سوداء حسناء ، فانطلق موسى ، عليه السلام إلى عصاه فسماها من طرفها ، ثم وضعها في أدنى الحوض ، ثم أوردها فسقاها ، ووقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة قال : " فأتأمت وأثلثت ، ووضعت كلها قوالب ألوان ، إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش . قال يحيى : ولا ضبون . وقال صفوان : ولا ضبوب . قال أبو زرعة : الصواب ضبوب - ولا عزوز ولا ثعول ، ولا كميشة تفوت الكف " ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فلو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية " .

وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان قال : سمعت الوليد قال : فسألت ابن لهيعة : ما الفشوش ؟ قال : التي تفش بلبنها واسعة الشخب . قلت : فما الضبوب ؟ قال : الطويلة الضرع تجره . قلت : فما العزوز ؟ قال : ضيقة الشخب . قال فما الثعول ؟ قال : التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين . قلت : فما الكميشة ؟ قال : التي تفوت الكف ، كميشة الضرع ، صغير لا يدركه الكف .

مدار هذا الحديث على عبد الله بن لهيعة المصري - وفي حفظه سوء - وأخشى أن يكون رفعه خطأ ، والله أعلم . وينبغي أن يروى ليس فيها فشوش ولا عزوز ، ولا ضبوب ولا ثعول ولا كميشة ، لتذكر كل صفة ناقصة مع ما يقابلها من الصفات الناقصة . وقد روى ابن جرير من كلام أنس بن مالك - موقوفا عليه - ما يقارب بعضه بإسناد جيد ، فقال : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : لما دعا نبي الله موسى ، عليه السلام ، صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما ، قال له صاحبه : كل شاة ولدت على غير لونها فذلك ولدها لك ، فعمد فرفع حبالا على الماء ، فلما رأت الخيال فزعت فجالت جولة ، فولدن كلهن بلقا إلا شاة واحدة ، فذهب بأولادهن ذلك العام .


تفسير الطبري :

فيه أربع وعشرون مسألة: الأولى: قوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} مشى موسى عليه السلام حتى ورد ماء مدين أي بلغها ووروده الماء معناه بلغه لا أنه دخل فيه ولفظة الورود قد تكون بمعنى الدخول في المورود، وقد تكون بمعنى الاطلاع عليه والبلوغ إليه إن لم يدخل فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه؛ ومنه قول زهير : فلما وردن الماء زرقا جمامه ** وضعن عصي الحاضر المتخيم وقد تقدمت هذه المعاني في قوله {وإن منكم إلا واردها} مريم 71 ومدين لا تنصرف إذ هي بلدة معروفة قال الشاعر : رهبان مدين لو رأوك تنزلوا ** والعصم من شعف الجبال الفادر وقيل : قبيلة من ولد مدين بن إبراهيم؛ وقد مضى القول فيه في "الأعراف" والأمة : الجمع الكثير و{يسقون} معناه ماشيتهم. و{من دونهم} معناه ناحية إلى الجهة التي جاء منها، فوصل إلى المرأتين قبل وصول إلى الأمة، ووجدهما تذودان ومعناه تمنعان وتحبسان، ومنه قول عليه السلام : (فليذادَنَّ رجال عن حوضي) وفي بعض المصاحف "امرأتين حابستين تذودان" يقال : ذاد يذود إذا حبس وذدت الشيء حبسته؛ قال الشاعر : أبيت على باب القوافي كأنما ** أذود بها سربا من الوحش نزعا أي أحبس وأمنع وقيل {تذودان} تطردان؛ قال : لقد سلبت عصاك بنو تميم ** فما تدري بأي عصا تذود أي تطرد وتكف وتمنع . ابن سلام : تمنعان غنمهما لئلا تختلط بغنم الناس؛ فحذف المفعول : إما إيهاما على المخاطب، وإما استغناء بعلمه قال ابن عباس : تذودان غنمهما عن الماء خوفا من السقاة الأقوياء قتادة : تذودان الناس عن غنمهما؛ قال النحاس : والأول أولى؛ لأن بعده {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء} ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس لم تخبرا عن سبب تأخير سقيهما حتى يصدر الرعاء فلما رأى موسى عليه السلام ذلك منهما {قال ما خطبكما} القصص 23 أي شأنكما؛ قال رؤبة : يا عجبا ما خطبه وخطبي ابن عطية : وكان استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو من يشفق عليه، أو يأتي بمنكر من الأمر، فكأنه بالجملة في شر؛ فأخبرتاه بخبرهما، وأن أباهما شيخ كبير؛ فالمعنى : لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمه، وأنهما لضعفهما وقلة طاقتهما لا تقدران على مزاحمة الأقوياء، وأن عادتهما التأني حتى يصدر الناس عن الماء ويخلى؛ وحينئذ تردان وقرأ ابن عامر وأبو عمرو {يصدر} من صدر، وهو ضد ورد أي يرجع الرعاء والباقون {يصدر} بضم الياء من أصدر؛ أي حتى يصدروا مواشيهم من وردهم والرعاء جمع راع؛ مثل تاجر وتجار، وصاحب وصحاب قالت فرقة : كانت الآبار مكشوفة، وكان زحم الناس يمنعهما، فلما أراد موسى أن يسقى لهما زحم الناس وغلبهم على الماء حتى سقى، فعن هذا الغلب الذي كان منه وصفته إحداهما بالقوة وقالت فرقة : إنهما كانتا تتبعان فضالتهم في الصهاريج، فإن وجدتا في الحوض بقية كان ذلك سقيهما، وإن لم يكن فيه بقيه عطشت غنمهما، فرق لهما موسى، فعمد إلى بئر كانت مغطاة والناس يسقون من غيرها، وكان حجرها لا يرفعه إلا سبعة، قال ابن زيد ابن جريج : عشرة. ابن عباس : ثلاثون. الزجاج : أربعون؛ فرفعه وسقى للمرأتين؛ فعن رفع الصخرة وصفته بالقوة وقيل : إن بئرهم كانت واحدة، وإنه رفع عنها الحجر بعد انفصال السقاة، إذ كانت عادة المرأتين شرب الفضلات. روى عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال : لما استقى الرعاة غطوا على البئر صخرة لا يقلعها إلا عشرة رجال، فجاء موسى فاقتلعها واستقى ذنوبا واحدا لم تحتج إلى غيره فسقى لهما . الثانية: إن قيل كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب صلى الله عليه وسلم أن يرضى لابنتيه بسقي الماشية ؟ قيل له : ليس ذلك بمحظور والدين لا يأباه؛ وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك، والعادة متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو غير مذهب الحضر، خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة الثالثة: قوله {ثم تولى إلى الظل} تولى إلى ظل سمرة؛ قاله ابن مسعود وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله {إني لما أنزلت إلي من خير فقير} وكان لم يذق طعاما سبعة أيام، وقد لصق بطنه بظهره؛ فعرض بالدعاء ولم يصرح بسؤال؛ هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله؛ فالخير يكون بمعنى الطعام كما في هذه الآية، ويكون بمعنى المال كماقال {إن ترك خيرا} البقرة 180 وقول {وإنه لحب الخير لشديد} العاديات 8 ويكون بمعنى القوة كما قال {أهم خير أم قوم تبع} الدخان 37 ويكون بمعنى العبادة كقول {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} الأنبياء 73 قال ابن عباس : وكان قد بلغ به الجوع، وأخضر لونه من أكل البقل في بطنه، لإنه لأكرم الخلق على الله ويروي أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدميه وفي هذا معتبر وإشعار بهوان الدنيا على الله وقال أبو بكر بن طاهر في قوله {إني لما أنزلت إلى من خير فقير} أي إني لما أنزلت من فضلك وغناك فقير إلى أن تغنيني بك عمن سواك. قلت : ما ذكره أهل التفسير أولى؛ فإن الله تعالى إنما أغناه بواسطة شعيب الرابعة: قوله {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} في هذا الكلام اختصار يدل عليه هذا الظاهر؛ قدره ابن إسحاق : فذهبتا إلى أبيهما سريعتين، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي، فحدثتاه بما كان من الرجل الذي سقى لهما، فأمر الكبرى من بنتيه - وقيل الصغرى ـ أن تدعوه له، {فجاءت} على ما في هذه الآية قال عمر وابن ميمون : ولم تكن سلفعا من النساء، خراجة ولاّجة وقيل : جاءته ساترة وجهها بكم درعها؛ قال عمر بن الخطاب وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى صفوريا ابنتا يثرون، ويثرون هو شعيب عليه السلام وقيل : ابن أبي شعيب، وأن شعيبا كان قد مات وأكثر الناس على أنهما ابنتا شعيب عليه السلام وهو ظاهر القرآن، قال الله تعالي {وإلى مدين أخاهم شعيبا} الأعراف 85 كذا في سورة "الأعراف" وفي سورة "الشعراء" {كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعب} الشعراء176 قال قتادة : بعث الله تعالى شعيبا إلى أصحاب الأيكة وأصحاب مدين وقد مضى في "الأعراف" الخلاف في اسم أبيه فروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة قام يتبعها، وكان بين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال، فهبت ريح فضمت قميصها فوصفت عجيزتها، فتحرج موسى من النظر إليها فقال : أرجعي خلفي وأرشديني إلى الطريق بصوتك وقيل : أن موسى قال ابتداء : كوني ورائي فإني رجل عبراني لا أنظر في أدبار النساء، ودليني على الطريق يمينا أو يسارا؛ فذلك سبب وصفها له بالأمانة؛ قال ابن عباس فوصل موسى إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله إلى آخره فآنسه بقوله {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون وقرب إليه طعاما فقال موسى : لا أكل؛ إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا؛ فقال شعيب : ليس هذا عوض السقي، ولكن عادتي وعادة أبائي قرى الضيف، وإطعام الطعام؛ فحينئذ أكل موسى. الخامسة: قوله تعالى: {قالت إحداهما يا أبت استأجره} دليل على أن الإجارة كانت عندهم مشروعة معلومة، وكذلك كانت في كل ملة وهي من ضرورة الخليقة، ومصلحة الخلطة بين الناس؛ خلاف الأصم حيث كان عن سماعها أصم. السادسة: قوله تعالى: {قال إني أريد أن أنكحك} الآية. فيه عرض الولي بنته على الرجل؛ وهذه سنة قائمة؛ عرض صالح مدين ابنته على صالح بني إسرائيل، وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن الحسن عرض الرجل وليته، والمرأة نفسها على الرجل الصالح، اقتداء بالسلف الصالح قال ابن عمر : لما تأيمت حفصة قال عمر لعثمان : إن شئت أنكحك حفصة بنت عمر؛ الحديث انفرد بإخراجه البخاري. السابعة: وفي هذه الآية دليل على أن النكاح إلى الولي لا حظ للمرأة فيه، لأن صالح مدين تولاه، وبه قال فقهاء الأمصار وخالف في ذلك أبو حنيفة وقد مضى. الثامنة: هذه الآية تدل على أن للأب أن يزوج ابنته البكر البالغ من غير استئمار، وبه قال مالك واحتج بهذه الآية، وهو ظاهر قوي في الباب، واحتجاجه بها يدل على أنه كان يعول على الإسرائيليات؛ كما تقدم وبقول مالك في هذه المسألة قال الشافعي وكثير من العلماء وقال أبو حنيفة : إذا بلغت الصغيرة فلا يزوجها أحد إلا برضاها؛ لأنها بلغت حد التكليف، فأما إذا كانت صغيرة فإنه يزوجها بغير رضاها لأنه لا إذن لها ولا رضا، بغير خلاف . التاسعة: استدل أصحاب الشافعي بقوله {إني أريد أن أنكحك} علي أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد وداود ومالك على اختلاف عنه وقال علماؤنا في المشهور : ينعقد النكاح بكل لفظ وقال أبو حنيفة : ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد؛ أما الشافعية فلاحجة لهم في الآية لأنه شرع من قبلنا وهم لا يرونه حجة في شيء في المشهور عندهم وأما أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي فقالوا : ينعقد النكاح بلفظ الهبة وغيره إذا كان قد أشهد عليه؛ لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية، قالوا : فكذلك النكاح قالوا : والذي خص به النبي صلى الله عليه وسلم تعرى البضع من العوض لا النكاح بلفظ الهبة، وتابعهم ابن القاسم فقال : إن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظ عن مالك فيه شيئا، وهو عندي جائز كالبيع قال أبو عمر : الصحيح أنه لا ينعقد نكاح بلفظ الهبة، كما لا ينعقد بلفظ النكاح هبة شيء من الأموال وأيضا فإن النكاح مفتقر إلى التصريح لتقع الشهادة عليه، وهو ضد الطلاق فكيف يقاس عليه، وقد أجمعوا أن النكاح لا ينعقد بقول : أبحت لك وأحللت لك فكذلك الهبة وقال صلي الله عليه وسلم : (استحللتم فروجهن بكلمة الله) يعني القرآن، وليس في القرآن عقد النكاح بلفظ الهبة، وإنما فيه التزويج والنكاح، وفي إجازة النكاح بلفظ الهبة إبطال بعض خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم. العاشرة: قوله تعالى: {إحدى ابنتي هاتين} دل على أنه عرض لا عقد، لأنه لو كان عقدا لعين المعقود عليها له؛ لأن العلماء إن كانوا قد اختلفوا في جواز البيع إذا قال : بعتك أحد عبدي هذين بثمن كذا؛ فإنهم اتفقوا على أن ذلك لا يجوز في النكاح؛ لأنه خيار وشيء من الخيار لا يلصق بالنكاح . الحادية عشر: قال مكي : في هذه الآية خصائص في النكاح منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول الأمد، وجعل المهر إجارة، ودخل ولم ينقد شيئا. قلت : فهذه أربع مسائل تضمنتها هذه المسألة . الأولى : التعيين، قال علماؤنا : أما التعيين فيشبه أنه كان في ثاني حال المراوضة، وإنما عرض الأمر مجملا، وعين بعد ذلك وقد قيل : إنه زوجه صفوريا وهي الصغرى يروى عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن سئلت أي الأجلين قضي موسى فقل خيرهما وأوفاهما وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى وهي التي جاءت خلفه وهي التي قالت {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين }). قيل : إن الحكمة في تزويجه الصغرى منه قبل الكبرى وإن كانت الكبرى أحوج إلى الرجال أنه توقع أن يميل إليها؛ لأنه رأها في رسالته، وماشاها في إقباله إلى أبيها معها، فلو عرض عليه الكبرى ربما أظهر له الاختيار وهو يضمر غيره وقيل غير هذا؛ والله أعلم وفي بعض الأخبار أنه تزوج بالكبرى؛ حكاه القشيري. الثانية : وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه؛ فإما رسماه، وإلا فهو من أول وقت العقد. الثالثة : وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهو أمر قد قرره شرعنا، وجرى في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن؛ رواه الأئمة؛ وفي بعض طرقه : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما تحفظ من القرآن) فقال : سورة البقرة والتي تليها؛ قال : (فعلمها عشرين آية وهي امرأتك) واختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فكرهه مالك، ومنعه ابن القاسم، وأجازه ابن حبيب؛ وهو قول الشافعي وأصحابه؛ قالوا : يجوز أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطة والبناء وتعليم القرآن وقال أبو حنيفة : لا يصح، وجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة، أو يسكنها داره سنة؛ لأن العبد والدار مال، وليس خدمتها بنفسه مالا وقال أبو الحسن الكرخي : إن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز؛ لقوله {فآتوهن أجورهن} النساء 24 وقال أبو بكر الرازي : لا يصح لأن الإجارة عقد مؤقت، وعقد النكاح مؤبد، فهما متنافيان وقال ابن القاسم : ينفسخ قبل البناء ويثبت بعده. وقال أصبغ : إن نقد معه شيئا ففيه اختلاف، وإن لم ينقد فهو أشد، فإن ترك مضى على كل حال بدليل قصة شعيب؛ قال مالك وابن المواز وأشهب وعول على هذه الآية جماعة من المتأخرين والمتقدمين في هذه النازلة؛ قال ابن خويز منداد تضمنت هذه الآية النكاح على الإجارة والعقد صحيح، ويكره أن تجعل الإجارة مهرا، وينبغي أن يكون المهر مالا كما قال عز وجل {أن تبتغوا بأموالكم محصنين} النساء 24 هذا قول أصحابنا جميعا. الرابعة : وأما قوله : ودخل ولم ينقد فقد اختلف الناس في هذا؛ هل دخل حين عقد أم حين سافر، فإن كان حين عقد فماذا نقد ؟ وقد منع علماؤنا من الدخول حتى ينقد ولو ربع دينار؛ قال ابن القاسم فإن دخل قبل أن ينقد مضى، لأن المتأخرين من أصحابنا قالوا : تعجيل الصداق أو شيء منه مستحب على أنه إن كان الصداق رعية الغنم فقد نقد الشروع في الخدمة؛ وإن كان دخل حين سافر فطول الانتظار في النكاح جائز إن كان مدى العمر بغير شرط وأما إن كان بشرط فلا يجوز إلا أن يكون الغرض صحيحا مثل التأهب للبناء أو انتظار صلاحية الزوجة للدخول إن كانت صغيرة؛ نص عليه علماؤنا. الثانية عشرة: في هذه الآية اجتماع إجارة ونكاح، وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : قال في ثمانية أبي زيد : يكره ابتداء فإن وقع مضى. الثاني : قال مالك وابن القاسم في المشهور : لا يجوز ويفسخ قبل الدخول وبعده؛ لاختلاف مقاصدهما كسائر العقود المتباينة. الثالث : أجازه أشهب وأصبغ قال ابن العربي : وهذا هو الصحيح وعليه تدل الآية؛ وقد قال مالك النكاح أشبه شيء بالبيوع، فأي فرق بين إجارة وبيع أو بين بيع ونكاح فرع : وإن أصدقها تعليم شعر مباح صح؛ قال المزني : وذلك مثل قول الشاعر : يقول العبد فائدتي ومالي ** وتقوى الله أفضل ما استفادا وإن أصدقها تعليم شعر فيه هجو أو فحش كان كما لو أصدقها خمرا أو خنزيرا . الثالثة عشرة: قوله تعالى: {على أن تأجرني ثماني حجج} جرى ذكر الخدمة مطلقا وقال مالك : إنه جائز ويحمل على العرف، فلا يحتاج في التسمية إلى الخدمة وهو ظاهر قصة موسى، فإنه ذكر إجارة مطلقة وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز حتى يسمى لأنه مجهول وقد ترجم البخاري : [باب من استأجر أجيرا فبين له الأجل ولم يبين له العمل] لقوله {على أن تأجرني ثماني حجج}. قال المهلب : ليس كما ترجم؛ لأن العمل عندهم كان معلوما من سقي وحرث ورعي وما شاكل أعمال البادية في مهنة أهلها، فهذا متعارف وإن لم يبين له أشخاص الأعمال ولا مقاديرها؛ مثل أن يقول له : إنك تحرث كذا من السنة، وترعى كذا من السنة، فهذا إنما هو على المعهود من خدمة البادية، وإنما الذي لا يجوز عند الجميع أن تكون المدة مجهولة، والعمل مجهول غير معهود لا يجوز حتى يعلم قال ابن العربي : وقد ذكر أهل التفسير أنه عين له رعية الغنم، ولم يرو من طريق صحيحة، ولكن قالوا : إن صالح مدين لم يكن له عمل إلا رعية الغنم، فكان ما علم من حاله قائما مقام التعيين للخدمة فيه. الرابعة عشرة: أجمع العلماء على أنه جائز أن يستأجر الراعي شهورا معلومة، بأجرة معلومة، لرعاية غنم معدودة؛ فإن كانت معدودة معينة، ففيها تفصيل لعلمائنا؛ قال ابن القاسم : لا يجوز حتى يشترط الخلف إن ماتت، وهي رواية ضعيفة جدا؛ وقد استأجر صالح مدين موسى على غنمه، وقد رآها ولم يشترط خلفا؛ وإن كانت مطلقة غير مسماة ولا معينة جازت عند علمائنا وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تجوز لجهالتها؛ وعول علماؤنا على العرف حسبما ذكرناه آنفا؛ وأنه يعطى بقدر ما تحتمل قوته وزاد بعض علمائنا أنه لا يجوز حتى يعلم المستأجر قدر قوته، وهو صحيح فإن صالح مدين علم قدر قوة موسى برفع الحجر. الخامسة عشرة: قال مالك : وليس على الراعي ضمان وهو مصدق فيما هلك أو سرق، لأنه أمين كالوكيل وقد ترجم البخاري : [باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد فأصلح ما يخاف الفساد] وساق حديث كعب بن مالك عن أبيه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا فكسرت حجرا فذبحتها به، فقال لهم : لا تأكلوا حتى أسأل النبي ـ أو أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يسأله ـ وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو أرسل إليه ـ فأمره بأكلها؛ قال عبدالله : فيعجبني أنها أمة وأنها ذبحت قال المهلب : فيه من الفقه تصديق الراعي والوكيل فيما اؤتمنا عليه حتى يظهر عليهما دليل الخيانة والكذب؛ وهذا قول مالك وجماعة وقال ابن القاسم : إذا خاف الموت على شاة فذبحها لم يضمن ويصدق إذا جاء بها مذبوحة وقال غيره : يضمن حتى يبين ما قال. السادسة عشرة: واختلف ابن القاسم وأشهب إذا أنزى الراعي على إناث الماشية بغير إذن أربابها فهلكت؛ فقال ابن القاسم : لا ضمان عليه؛ لأن الإنزاء من إصلاح المال ونمائه وقال أشهب : عليه الضمان؛ وقول ابن القاسم أشبه بدليل حديث كعب، وأنه لا ضمان عليه فيما تلف عليه باجتهاده، إن كان من أهل الصلاح، وممن يعلم إشفاقه على المال؛ وأما إن كان من أهل الفسوق والفساد وأراد صاحب المال أن يضمنه فعل؛ لأنه لا يصدق أنه رأى بالشاة موتا لما عرف من فسقه. السابعة عشرة: لم ينقل ما كانت أجرة موسى عليه السلام؛ ولكن روى يحيى بن سلام أن صالح مدين جعل لموسى كل سخلة توضع خلاف لون أمها، فأوحى الله إلى موسى أن ألق عصاك بينهن يلدن خلاف شبههن كلهن وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء تولد له، فولدن له كلهن بلقا وذكر القشيري أن شعيبا لما استأجر موسى قال له : أدخل بيت كذا وخذ عصا من العصي التي في البيت، فأخرج موسى عصا، وكان أخرجها آدم من الجنة، وتوارثها الأنبياء حتى صارت إلى شعيب، فأمره شعيب أن يلقيها في البيت ويأخذ عصا أخرى، فدخل وأخرج تلك العصا؛ وكذلك سبع مرات كل ذلك لا تقع بيده غير تلك، فعلم شعيب أن له شأنا؛ فلما أصبح قال له : سق الأغنام إلي مفرق الطريق، فخذ عن يمينك وليس بها عشب كثير، ولا تأخذ عن يسارك فإن بها عشبا كثيرا وتنينا كبيرا لا يقبل المواشي، فساق المواشي إلى مفرق الطريق، فأخذت نحو اليسار ولم يقدر على ضبطها، فنام موسى وخرج التنين، فقامت العصا وصارت شعبتاها حديدا وحاربت التنين حتى قتلته، وعادت إلى موسى عليه السلام، فلما انتبه موسى رأى العصا مخضوبة بالدم، والتنين مقتولا؛ فعاد إلى شعيب عشاء، وكان شعيب ضريرا فمس الأغنام، فإذا أثر الخصب باد عليها، فسأله عن القصة فأخبره بها، ففرح شعيب وقال : كل ما تلد هذه المواشي هذه السنة قالب لون ـ أي ذات لونين ـ فهو لك؛ فجاءت جميع السخال تلك السنة ذات لونين، فعلم شعيب أن لموسى عند الله مكانة. وروى عيينة بن حصن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أجر موسى نفسه بشبع بطنه وعفة فرجه) فقال له شعيب لك منها ـ يعني من نتاج غنمها ما جاءت به قالب لون ليس فيها عزوز ولا فشوش ولا كموش ولا ضبوب ولا ثعول قال الهروي : العزوز البكيئة؛ مأخوذ من العزاز وهي الأرض الصلبة، وقد تعززت الشاة والفشوش التي ينفش لبنها من غير حلب وذلك لسعة الإحليل، ومثله الفتوح والثرور ومن أمثالهم : لأُفشّنّك فَشّ الوطب أي لأخرجن غضبك وكبرك من رأسك ويقال : فش السقاء إذا أخرج منه الريح ومنه الحديث : (إن الشيطان يفش بين أليتي أحدكم حتى يخيل إليه أنه أحدث) أي ينفخ نفخا ضعيفا والكموش : الصغيرة الضرع، وهي الكميشة أيضا؛ سميت بذلك لانكماش ضرعها وهو تقلصه؛ ومنه يقال : رجل كميش الإزار والكشود مثل الكموش والضبوب الضيقة ثقب الإحليل والضب الحلب بشدة العصر والثعول الشاة التي لها زيادة حلمة وهي الثعل والثعل زيادة السن، وتلك الزيادة هي الراؤول ورجل أثعل والثعل ضيق مخرج اللبن قال الهروي : وتفسير قالب لون في الحديث أنها جاءت على غير ألوان أمهاتها الثامتة عشرة: الإجارة بالعوض المجهول لا تجوز؛ فإن ولادة الغنم غير معلومة، وإن من البلاد الخصبة ما يعلم ولاد الغنم فيها قطعا وعدتها وسلامة سخالها كديار مصر وغيرها، بيد أن ذلك لا يجوز في شرعنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر، ونهى عن المضامين والملاقيح والمضامين ما في بطون الإناث، والملاقيح ما في أصلاب الفحول وعلى خلاف ذلك قال الشاعر : ملقوحة في بطن ناب حامل وقد مضى في سورة "الحجر" بيانه على أن راشد بن معمر أجاز الإجارة على الغنم بالثلث والربع وقال ابن سيرين وعطاء : ينسج الثوب بنصيب منه؛ وبه قال أحمد. التاسعة عشرة: الكفاءة في النكاح معتبرة؛ واختلف العلماء هل في الدين والمال والحسب، أو في بعض ذلك والصحيح جواز نكاح الموالي للعربيات والقرشيات؛ لقوله {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات 13 وقد جاء موسى إلى صالح مدين غريبا طريدا خائفا وحيدا جائعا عريانا فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه ورأى من حاله، وأعرض عما سوى ذلك وقد تقدمت هذه المسألة مستوعبة والحمد لله . الموافية العشرون: قال بعضهم : هذا الذي جرى من شعيب لم يكن ذكرا لصداق المرأة، وأنما كان اشتراطا لنفسه على ما يفعله الأعراب؛ فإنها تشترط صداق بناتها، وتقول لي كذا في خاصة نفسي، وترك المهر مفوضا؛ ونكاح التفويض جائز قال ابن العربي : هذا الذي تفعله الأعراب هو حلوان وزيادة على المهر، وهو حرام لا يليق بالأنبياء؛ فأما إذا اشترط الولي شيئا لنفسه، فقد اختلف العلماء فيما يخرجه الزوج من يده ولا يدخل في يد المرأة على قولين : أحدهما : أنه جائز والآخر : لا يجوز والذي يصح عندي التقسيم؛ فإن المرأة لا تخلو أن تكون بكرا أو ثيبا؛ فإن كانت ثيبا جاز؛ لأن نكاحها بيدها، وإنما يكون للولي مباشرة العقد، ولا يمتنع أخذ العوض عليه كما يأخذه الوكيل على عقد البيع، وإن كانت بكرا كان العقد بيده، وكأنه عوض في النكاح لغير الزوج وذلك باطل؛ فإن وقع فُسِخ قبل البناء، وثبت بعده على مشهور الرواية والحمد الله. الحادية والعشرون: لما ذكر الشرط وأعقبه بالطوع في العشر خرج كل واحد منهما على حكمه، ولم يلحق الآخر بالأول، ولا أشترك الفرض والطوع؛ ولذلك يكتب في العقود الشروط المتفق عليها، ثم يقال وتطوع بكذا، فيجري الشرط على سبيله، والطوع على حكمه، وانفصل الواجب من التطوع وقيل : ومن لفظ شعيب حسن في لفظ العقود في النكاح أنكحه إياها أولى من أنكحها إياه على ما يأتي بيانه في "الأحزاب" وجعل شعيب الثمانية الأعوام شرطا، ووكل العاشرة إلي المروءة. الثانية والعشرون: قوله {قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} لما فرغ كلام شعيب قرره موسى عليه السلام وكرر معناه على جهة التوثق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج و{أيما} استفهام منصوب بـ قضيت و{الأجلين} مخفوض بإضافة {أي} إليهما و{ما} صلة للتأكيد وفيه معنى الشرط وجوابه {فلا عدوان} وأن {عدوان} منصوب بـ {لا} وقال ابن كيسان{ما} في موضع خفض بإضافة {أي} إليها وهي نكرة و{الأجلين} بدل منها وكذلك في قوله {فبما رحمة من الله } آل عمران 159 أي رحمة بدل من ما؛ قال مكي : وكان يتلطف في ألا يجعل شيئا زائدا في القرآن ويخرج له وجها يخرجه من الزيادة وقرأ الحسن {أيما} بسكون الياء وقرأ ابن مسعود "أي الأجلين ما قضيت" وقرأ الجمهور {عدوان} بضم العين وأبو حيوة بكسرها؛ والمعنى : لا تبعة علي ولا طلب في الزيادة عليه والعدوان التجاوز في غير الواجب، والحجج السنون قال الشعر : لمن الديار بقنة الحجر ** أقوين من حجج ومن دهر الواحدة حجة بكسر الحاء {والله على ما نقول وكيل} قيل : هو من قول موسى وقيل : هو من قول والد المرأة فاكتفى الصالحان صلوات الله عليهما في الإشهاد عليهما بالله ولم يشهدا أحدا من الخلق، وقد اختلف العلماء في وجوب الإشهاد في النكاح؛ وهي: الثالثة والعشرون: على قولين : أحدهما أنه لا ينعقد إلا بشاهدين وبه قال أبو حنيفة والشافعي [وقال مالك] : إنه ينعقد دون شهود؛ لأنه عقد معاوضة فلا يشترط فيه الإشهاد، وإنما يشترط فيه الإعلان والتصريح، وفرق ما بين النكاح والسفاح الدف وقد مضت هذه المسألة في "البقرة" مستوفاة وفي البخاري عن أبي هريرة : أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال ايتني بالشهداء أشهدهم، فقال كفى بالله شهيدا؛ فقال أيتني بكفيل؛ فقال كفى بالله كفيلا قال صدقت فدفعها إليه؛ وذكر الحديث.

التفسير الميسّر:

قال موسى: ذلك الذي قلته قائم بيني وبينك، أي المدتين أَقْضِها في العمل أكن قد وفيتك، فلا أُطالَب بزيادة عليها، والله على ما نقول وكيل حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه.

تفسير السعدي

فـ { قَالَ } موسى عليه السلام -مجيبا له فيما طلبه منه-: { ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ } أي: هذا الشرط، الذي أنت ذكرت، رضيت به، وقد تم فيما بيني وبينك. { أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ } سواء قضيت الثماني الواجبة، أم تبرعت بالزائد عليها { وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه.

وهذا الرجل، أبو المرأتين، صاحب مدين، ليس بشعيب النبي المعروف، كما اشتهر عند كثير من الناس، فإن هذا، قول لم يدل عليه دليل، وغاية ما يكون، أن شعيبا عليه السلام، قد كانت بلده مدين، وهذه القضية جرت في مدين، فأين الملازمة بين الأمرين؟

وأيضا، فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب، فكيف بشخصه؟" ولو كان ذلك الرجل شعيبا، لذكره اللّه تعالى، ولسمته المرأتان، وأيضا فإن شعيبا عليه الصلاة والسلام، قد أهلك اللّه قومه بتكذيبهم إياه، ولم يبق إلا من آمن به، وقد أعاذ اللّه المؤمنين أن يرضوا لبنتي نبيهم، بمنعهما عن الماء، وصد ماشيتهما، حتى يأتيهما رجل غريب، فيحسن إليهما، ويسقي ماشيتهما، وما كان شعيب، ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادما له، وهو أفضل منه وأعلى درجة، والله أعلم، [إلا أن يقال: هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على أنه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم]


تفسير البغوي

( قال ) موسى ، ( ذلك بيني وبينك ) يعني : هذا الشرط بيني وبينك ، فما شرطت علي فلك وما شرطت من تزويج إحداهما فلي ، والأمر بيننا ، تم الكلام ، ثم قال : ( أيما الأجلين قضيت ) يعني : أي الأجلين : و " ما " صلة ، " قضيت " : أتممت وفرغت منه ، الثمان أو العشر ، ( فلا عدوان علي ) لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منهما ، ( والله على ما نقول وكيل ) قال ابن عباس ومقاتل : شهيد فيما بيني وبينك . وقيل : حفيظ . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم ، أخبرنا سعيد بن سليمان ، أخبرنا مروان بن شجاع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألني يهودي من أهل الحيرة : أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أدري حتى أقدم على خير العرب فأسأله ، فقدمت فسألت ابن عباس قال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال فعل وروي عن أبي ذر مرفوعا : إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى ؟ فقل : خيرهما وأبرهما ، وإذا سئلت : فأي المرأتين تزوج ؟ فقل : الصغرى منهما ، وهي التي جاءت ، فقالت يا أبت استأجره ، فتزوج أصغرهما وقضى أوفاهما .

وقال وهب : أنكحه الكبرى . وروي عن شداد بن أوس مرفوعا : بكى شعيب النبي - صلى الله عليه وسلم - من حب الله - عز وجل - حتى عمي فرد الله عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ، فقال الله : ما هذا البكاء ؟ أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار ؟ قال : لا يا رب ، ولكن شوقا إلى لقائك ، فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب ، لذلك أخدمتك موسى كليمي .

ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه ، واختلفوا في تلك العصا; قال عكرمة : خرج بها آدم من الجنة فأخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه . وقال آخرون : كانت من آس الجنة ، حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء ، وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته ، فصارت من آدم إلى نوح ، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب ، فكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى . وقال السدي : كانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل ، فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت فأخذت العصا فأتته بها ، فلما رآها شعيب قال لها : ردي هذه العصا ، وأتيه بغيرها ، فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فلا يقع في يدها إلا هي ، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فأعطاها موسى فأخرجها موسى معه ، ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة ، فذهب في أثره ، وطلب أن يرد العصا فأبى موسى أن يعطيه . وقال : هي عصاي ، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فلقيهما ملك في صورة رجل فحكم أن يطرح العصا فمن حملها فهي له ، فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها فلم يطقها ، فأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ .

ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب ، ابنته إليه ، قال موسى للمرأة : اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم ، فطلبت من أبيها ، فقال شعيب : لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها . وقيل : أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيته إكراما له وصلة لابنته ، فقال له إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء ، فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام قال : فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله - عز وجل - إلى موسى وامرأته فوفى له شرطه وسلم الأغنام إليه .


الإعراب:

(قالَ) ماض فاعله مستتر والجملة مستأنفة لا محل لها.

(ذلِكَ) مبتدأ (بَيْنِي) ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مقول القول.

(وَبَيْنَكَ) معطوف على بيني (أَيَّمَا) أي: اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به مقدم لقضيت وما زائدة (الْأَجَلَيْنِ) مضاف إليه (قَضَيْتُ) ماض وفاعله (فَلا) الفاء رابطة ولا تعمل عمل إن (عُدْوانَ) اسمها المبني على الفتح (عَلَيَّ) متعلقان بمحذوف خبر لا والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط (وَاللَّهُ) الواو حرف استئناف ولفظ الجلالة مبتدأ (عَلَيَّ) حرف جر (ما) اسم مجرور بعلى وهما متعلقان بوكيل (نَقُولُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صلة (وَكِيلٌ) خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة.

---

Traslation and Transliteration:

Qala thalika baynee wabaynaka ayyama alajalayni qadaytu fala AAudwana AAalayya waAllahu AAala ma naqoolu wakeelun

بيانات السورة

اسم السورة سورة القصص (Al-Qasas - The Stories)
ترتيبها 28
عدد آياتها 88
عدد كلماتها 1441
عدد حروفها 5791
معنى اسمها القَصَصُ: جَمْعُ (قِصَّةٍ)، وَهِيَ الْأَمْرُ وَالْحَدِيثُ. وَالمُرَادُ (بالقَصَصِ): مَجْمُوعُ قَصَصِ مُوسَى عليه السلام دُونَ غَيرِهِ مِن الأَنْبِيَاءِ عليه السلام
سبب تسميتها نِسْبَةً لِمَجْمُوعِ قَصَصِ مُوسَى عليه السلام
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (القَصَصِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (مُوسَى عليه السلام)
مقاصدها تَسْلِيَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْقَصَصِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الْعُلُوِّ فِي الأَرْضِ وَعَاقِبَتِهِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ...٤﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ ...٨٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْقَصَصِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النَّمْلِ): لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (النَّمْلَ) بِالدَّعْوَةِ إِلَى النَّظَرِ فِي آيَاتِ اللهِ بِقَولِهِ: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَاۚ ...٩٣﴾ افْتَتَحَ (القَصَصَ) بِذِكْرِ آيَاتِ اللهِ فِي قَصَصِ مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ: ﴿طسٓمٓ ١ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٣﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!