الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
«الشافي حضرة الشفاء»إن الشفاء إزالة الآلام *** تعنو له الأرواح و الأجسام هذا هو الحق الذي قلنا به *** دلت عليه السادة الأعلام و الشرع يعضده لذا جئنا به *** و كذلك الألباب و الأحلام إني عليل و لا شخص يخبرني *** عنه تعالى بنا بأنه الشافي إني سعيت و عين الحق تحفظني *** و لست أدري بها في عين إتلافي إني وفيت له بعهده زمنا *** و ما يعرفني بأنه الوافي الحق يثبتني في كل طائفة *** حبا و يظهر لي في صورة النافي لكل شخص من القرآن سورته *** و سورتي عند ما أتلو لإيلاف [إن الشافي أزال المرض]يدعى صاحبها عبد الشافي يقول اللّٰه عن خليله إبراهيم عليه السّلام إنه قال ﴿وَ إِذٰا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فالشافي مزيل الأمراض و معطي الأغراض فإن الأمراض إنما تظهر أعيانها لعدم ما تطلبه الأغراض فلو زال الغرض لزال الطلب فكان يزول المرض فحضرة الشفاء هي التي تنيل أصحاب الأغراض أغراضهم و لا بد من الغرض فإن حيل بين من قام به الغرض و ما تعلق به كان المرض فإن نال ما تعلق به فهو الشفاء له من ذلك المرض و المنيل هو الشافي و كثيرا رأينا ممن يطلب آلاما أي أمورا مؤلمة ليزيل بها آلاما هي عنده أكبر منها و أشد فتهون عليه ما هو دونها و تلك الآلام المطلوبة له هي في حقه شفاء و عافية لإزالة هذه الآلام الشديدة فما طلب هذه الآلام لكونها آلاما فإن الألم غير مطلوب لنفسه و إنما طلبه لإزالة ما هو أشد منه في توهمه و مهما وجد الألم المؤلم و لو كان قرصة برغوث لكان الحكم له في وقت وجوده و يريد المبتلى به إزالته بلا شك فما طلبه إذا طلبه إلا بالتوهم المتعلق بإزالة هذا الأشد فإذا حصل و ذهب الأشد كان ذلك الألم المطلوب شديدا في حقه يطلب زواله بعافية أو مزيل لا ألم فيه و ورد في الخبر أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك و ما ثم شفاء إلا شفاؤه فإن الكل خلقه و لهذا قال الخليل ﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فأمرنا اللّٰه أن نصلي على محمد ﷺ كما نصلي على إبراهيم لأنه جاء بأمر محتمل أزال هذا الاحتمال إبراهيم عليه السّلام و قد أمر أن يبين للناس ما نزل إليهم لأن اللّٰه ما أنزل ما أنزله إلا هدى أي بيانا و رحمة بما يحصل لهم من العلم من ذلك البيان فقال الخليل ﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فنص على الشافي و ما ذكر شفاء لغيره و «قال النبي ﷺ في دعائه لا شفاء إلا شفاؤك» فدخل الاحتمال لما جعل اللّٰه في الأدوية من الشفاء و إزالة الأمراض فيحتمل أن يريد محمد ﷺ أن كل مزيل لمرض إنما هو شفاء اللّٰه الذي أودعه في ذلك المزيل فأثبت الأسباب و ردها كلها إلى اللّٰه و هذا كان غرض رسول اللّٰه ﷺ مع تقرير الأسباب لأن العالم ما يعرفون شفاء اللّٰه من غير سبب مع اعتقادهم أن الشافي هو اللّٰه و يحتمل لفظ النبي ﷺ إثبات أشفية لكن لا تقوم في الفعل قيام شفاء اللّٰه فقال لا شفاء إلا شفاؤك و الأول في التأويل أولى بمنصب رسول اللّٰه ﷺ فلما دخل الاحتمال كان البيان من هذا الوجه في خبر إبراهيم الخليل ع «فقيل لنا قولوا في الصلاة على محمد كما صليت على إبراهيم» و الصلاة من اللّٰه الرحمة و الشفاء من الرحمة و قد اقتضى مقام النبي ﷺ أن يبين أن الأشفية التي تكون عند استعمال أسبابها أنها شفاء اللّٰه إذ لا يتمكن رفع الأسباب من العالم عادة و «قد ورد أن اللّٰه ما خلق داء إلا و خلق له دواء» فأراد اللّٰه أن يعطي محمدا ﷺ ما أعطاه إبراهيم خليله مع ما عنده مما ليس عند غيره هذا أبو بكر رضي اللّٰه عنه و هو حسنة من حسنات رسول اللّٰه ﷺ يقول الطبيب أمرضني و الخليل يقول ﴿وَ إِذٰا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فانظر ما بين القولين تجد قول أبي بكر أحق و أنظر ما بين الأدبين تجد الخليل عليه السّلام أكثر أدبا فإن آداب النبوة لا يبلغها أدب كما قال معلم موسى ع ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا﴾ [الكهف:79] و ﴿فَأَرٰادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغٰا أَشُدَّهُمٰا﴾ [الكهف:82] فهذا لسان إبراهيم عليه الصلاة و السلام و كل وقت له حال ينطقه *** و كل حال له معنى يحققه |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
|||||||||




