فالشافي مزيل الأمراض و معطي الأغراض فإن الأمراض إنما تظهر أعيانها لعدم ما تطلبه الأغراض فلو زال الغرض لزال الطلب فكان يزول المرض فحضرة الشفاء هي التي تنيل أصحاب الأغراض أغراضهم و لا بد من الغرض فإن حيل بين من قام به الغرض و ما تعلق به كان المرض فإن نال ما تعلق به فهو الشفاء له من ذلك المرض و المنيل هو الشافي و كثيرا رأينا ممن يطلب آلاما أي أمورا مؤلمة ليزيل بها آلاما هي عنده أكبر منها و أشد فتهون عليه ما هو دونها و تلك الآلام المطلوبة له هي في حقه شفاء و عافية لإزالة هذه الآلام الشديدة فما طلب هذه الآلام لكونها آلاما فإن الألم غير مطلوب لنفسه و إنما طلبه لإزالة ما هو أشد منه في توهمه و مهما وجد الألم المؤلم و لو كان قرصة برغوث لكان الحكم له في وقت وجوده و يريد المبتلى به إزالته بلا شك فما طلبه إذا طلبه إلا بالتوهم المتعلق بإزالة هذا الأشد فإذا حصل و ذهب الأشد كان ذلك الألم المطلوب شديدا في حقه يطلب زواله بعافية أو مزيل لا ألم فيه و ورد في الخبر أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك و ما ثم شفاء إلا شفاؤه فإن الكل خلقه و لهذا قال الخليل ﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فأمرنا اللّٰه أن نصلي على محمد ﷺ كما نصلي على إبراهيم لأنه جاء بأمر محتمل أزال هذا الاحتمال إبراهيم عليه السّلام و قد أمر أن يبين للناس ما نزل إليهم لأن اللّٰه ما أنزل ما أنزله إلا هدى أي بيانا و رحمة بما يحصل لهم من العلم من ذلك البيان فقال الخليل ﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فنص على الشافي و ما ذكر شفاء لغيره و «قال النبي ﷺ في دعائه لا شفاء إلا شفاؤك» فدخل الاحتمال لما جعل اللّٰه في الأدوية من الشفاء و إزالة الأمراض فيحتمل أن يريد محمد ﷺ أن كل مزيل لمرض إنما هو شفاء اللّٰه الذي أودعه في ذلك المزيل فأثبت الأسباب و ردها كلها إلى اللّٰه و هذا كان غرض رسول اللّٰه ﷺ مع تقرير الأسباب لأن العالم ما يعرفون شفاء اللّٰه من غير سبب مع اعتقادهم أن الشافي هو اللّٰه و يحتمل لفظ النبي ﷺ إثبات أشفية لكن لا تقوم في الفعل قيام شفاء اللّٰه فقال لا شفاء إلا شفاؤك و الأول في التأويل أولى بمنصب رسول اللّٰه ﷺ فلما دخل الاحتمال كان البيان من هذا الوجه في خبر إبراهيم الخليل ع
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية