الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() مصل إذا كان فذا أو اماما يقول سمع اللّٰه لمن حمده هذا محل الإجماع و ما كل قائل هذا يعلم أن اللّٰه هو القائل إلا إذا سمع هذا الخبر فهذا هو المحجوب و أما أهل الكشف و الوجود فما يحتاجون إلى خبر بل يعلمون من هو السامع و القائل فهم غرقى في بحره لا يرجون موتا و لا حياة و لا نشورا إني أكابد اللجج *** حتى أفوز بالثبج و إنما العلم به *** في موج هذه اللجج و السيف لا أرى له *** عينا فدع عنك الحجج يا حضرة قد تلفت *** فيها النفوس و المهج إن الفتى كل الفتى *** الأبيض في عين السبج و ما عليه في الذي *** يلقاه فيه من حرج من كل ما يكرهه *** من قد نجا و ما خرج و ما نجا منه سوى *** من مات فيه فدرج و كل ما تحذره *** من ذات دل و دعج فلا تخف فإنها *** نفسك في ثاني درج و قد كثر اللّٰه في خطابه من قوله ﴿وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ﴾ [آل عمران:169] و ﴿لاٰ يَحْسَبَنَّ﴾ [آل عمران:178] و عدد أمورا كثيرة هي مذكورة في القرآن يطول إيرادها و ما منها آية فيها ﴿وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ﴾ [آل عمران:169] أو ﴿يَحْسَبُ﴾ [البقرة:273] إلا و فيها قوة الاكتفاء لمن فهم ﴿وَ مٰا يَعْقِلُهٰا إِلاَّ الْعٰالِمُونَ﴾ [ العنكبوت:43] من هذه الحضرة يحسب على المتنفس أنفاسه لأنها أنفاس معدودة محصاة عليه إلى أجل مسمى فلا بد أن يكون كما قلنا و لكن لا بما هي أنفاس و إنما بما تجري فيه إلى أمد معين و تلك حضرة بين العلم و الجهل فهي حضرة التخمين و الحدس و الظن الذي لم يبلغ مبلغ العلم و لهذا جاء ﴿وَ حَسِبُوا أَلاّٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [المائدة:71] و كانت الفتنة فما كان ما حسبوا و قال في طائفة ﴿وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف:104] و ما أحسنوا صنعا فهي شبهات في صور أدلة تظهر و ليست أدلة في نفس الأمر فالكيس من يقف عندها و لا يحكم فيها بشيء فإن لها شبها بالطرفين و من هذه الحضرة نزلت الآيات المتشابهات التي نهينا عن الخوض فيها و نسبنا إلى الزيغ في اتباعها فإن الزيغ ميل إلى أحد الشبهين و إذا أولت إلى أحد الشبهين فقد صيرتها محكمة و هي متشابهات فعدلت بها عن حقيقتها و كل من عدل بشيء عن حقيقته فما أعطاه حقه كما أعطاه اللّٰه خلقه و الإنسان مأمور بأن يوفي كل ذي حق حقه و من هذه الحضرة ظهرت الأعداد في أعيان المعدودات فلما تركب العدد في المعدود تخيل منه ما ليس له حكم في وجود عيني فهذه الحضرة أعطت كثرة الأسماء لله و هي كلها أسماء حسني تتضمن المجد و الشرف بل هي نص في المجد و الشرف فلهذا قيل فيه إنه تعالى حسيب و الحسيب ذو الحسب الكريم و النسب الشريف و لا نسب أتم و لا أكمل في الشرف من شرف الشيء بذاته لذاته و لهذا «لما قيل لمحمد ﷺ انسب لنا ربك ما نسب الحق نفسه فيما أوحى إليه به إلا لنفسه و تبرأ أن يكون له نسب من غيره فأنزل عليه سورة الإخلاص» ﴿قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ اَللّٰهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ فعدد و مجد فكانت له عواقب الثناء بما له من التحميد ثم أبان أن له الأسماء الحسنى و عين لنا منها ما شاء و أمرنا أن ندعوه بها مع أن له أسماء كل شيء في العالم فكل اسم في العالم فهو حسن بهذه النسبة و من هنا قالوا أفعال اللّٰه كلها حسنة و لا فاعل إلا اللّٰه هكذا حكم الأسماء التي تسمى بها العالم كله و لا سيما إن قلنا بقول من يقول إن الاسم هو المسمى و قد بينا أنه ما ثم وجود إلا اللّٰه و كذلك لو قلنا إن الاسم ليس المسمى لكان مدلول الاسم وجود الحق أيضا فعلى كل وجه ليس إلا الحق فما ثم وضيع فالكل ذو حسب صميم و مجد و شرف عميم و إنما الحسبان الذي رمى اللّٰه به روضة أحد الرجلين من السماء فأصبحت ﴿صَعِيداً زَلَقاً﴾ [الكهف:40] و أصبح ماؤها غورا فكونها أصبحت صعيدا زلقا أورثها الشرف و بما نعتها به من الزلق أورثها التنزيه و الرفعة في الدرجة بما جعلها صعيد أو أزال عنها أنواع المخالفة بما أزال عنها من الشجر فإن الحسبان كان من السماء فأعطى مرتبة السمو لمن كان موصوفا بالأرض و هي الساترة من فيها و لهذا سميت جنة فما أبرز ما برز منها إلا جود السماء و هو المطر وجودها بحرارة الشمس فمن السماء ظهرت زينتها فالسماء كستها بحسبانها و السماء جردتها من زينتها بحسبانها فمن زينتها كثرت أسماؤها بما فيها من صنوف الثمر و الأشجار و الأزاهر و من تجريدها و تنزيهها توحد اسمها و ذهبت أسماؤها لذهاب زينها ﴿إِنّٰا جَعَلْنٰا مٰا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهٰا﴾ [الكهف:7] و ليس الأرض في الاعتبار سوى المسمى خلقا و ليس زينتها سوى المسمى حقا فبالحق تزينت و بالحق تنزهت و تجردت عن ملابس العدد و ظهرت بصفة الأحد و هذا كله من هذه الحضرة حضرة الاكتفاء و هو الاسم الإلهي الحسيب |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |