الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
فالحق مصرف العالم و العالم مصرف الحق أ لا تراه يقول ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186] أ ليست الإجابة تصريفا هل يتصور إجابة من غير نداء و سؤال لا يصح أن يتصرف في نفسه فما له تصرف إلا فينا فتصرفه إيجاده إيانا دائما فأعيان تظهر و أحكام له تحدث و تعلقات لا تنكر فإن قلت أنا واحد كنت صادقا *** و إن قلت لسنا واحدا لم تكذب فيا ليت شعري من يجهل و ما ثم إلا اللّٰه فالكل عالم بما لا يعلمه ثم يعلمه ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] و قد ظهر بعض رشح من هذا المشهد على طائفة من أصحاب النظر لا يعرف من أين جاءهم ذلك فحكى عنهم أنهم يقولون إن اللّٰه لا يعلم نفسه لأن العلم بالشيء يقتضي الإحاطة بالمعلوم و هو لا يتناهى وجوده و وجوده عين ماهيته ليس غيرها و ما لا يتناهى لا يكون محاطا به إلا أنه لا يتناهى و أحاط علما به أنه لا يتناهى لا له و لا للعالم و هذا و إن كان قولا فاسدا فإن له وجها إلى الصحة و ذلك أنه لا يعلم نفسه على جهة الإحاطة بل يعلم نفسه أنها لا تقبل الإحاطة كما يعلم الممكنات و جميع المقدورات أنها لا تتناهى فانظر في هذا الرش من هذا البحر الغمر كيف أثر في العالم نحلة ظهرت في العين و بدت إلى عالم الكون حتى سطرت في الدفاتر و سارت بها الركبان و تسامر بها العلماء و ما ثم قائل إلا اللّٰه و لا منطق إلا اللّٰه و ما بقي إلا فتح عين الفهم لتنطق اللّٰه من حيث إنه لا ينطق إلا بالصواب فكل كلام في العالم فهو إما من الحكمة أو من فصل الخطاب فالكلام كله معصوم من الخطاء و الزلل إلا أن للكلام مواطن و محال و ميادين له فيها مجال رب تتسع ميادينه بحيث أن تنبو عن إدراك غايتها عيون البصائر فينطق حين ينطق بالصواب *** على ما يقتضي فصل الخطاب و ترجع حسرا أبصار قوم *** عموا فيها عن الأمر العجاب فإذا أردت السبيل إلى فهم هذه المعاني فتعمل في تكثير النوافل التي لها أصل في الفرائض و إن تمكن لك أن تكثر من نوافل النكاح فإنه أعظم فوائد نوافل الخيرات لما فيه من الازدواج و الإنتاج فتجمع بين المعقول و المحسوس فلا يفوتك شيء من العالم الصادر عن الاسم الظاهر و الباطن فيكون اشتغالك بمثل هذه النافلة أتم و أقرب لتحصيل ما ترومه من ذلك فإذا فعلت هذا أحبك الحق و إذا أحبك غار عليك أن تشهدك عين أو يقيدك كون فأدخلك في حمى حرمه و جعلك من جملة أحبابه و أهلك له فصرت له أهلا كما «قال في الحديث في أهل القرآن إنهم أهل اللّٰه و خاصته خرج ذلك الترمذي في منصفه» و إذا أتخذك أهلا جعلك محلا لإلقائه و عرشا لاستوائه و سماء لنزوله و كرسيا لقدميه فظهر لك فيك منه ما لم تره مع كونه فيك و هو قوله تعالى ﴿فَلاٰ تَعْلَمُ نَفْسٌ مٰا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [ السجدة:17] لأن جنوبهم تجافت عن المضاجع الطبيعية : و صاروا أهلا للموارد الإلهية و الشوارد الربانية فمياههم عذبة صافية و عروشهم عن كل ما سوى ما يلقي اللّٰه إليهم خاوية آبارهم معطلة و أبوابهم مقفلة و قصورهم مشيدة ضاعت مفاتح أقفالها و تقطعت حبال آبارها فتنظر إلى مياهها و لا تذاق فتستحسن على جهالة فإذا سردت أخبارها قرآنا ظهر إعجازها فلم يستطع أحد معارضتها فيستحليها فإذا سئل عن معانيها لا يدري ما يقول إذ لا ذوق له فيها إلا ما أعطاه الشهود فغايته أن يقول ﴿إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدثر:24] لاختلاط ضوئه بظلمته تشبيها بسحر الليل و بالسحر الذي يخرج الهواء الحار و يسوق الهواء البارد لتبقى بذلك الحياة على هيكل الحيوان فلا يدري الناظر فيه أي وجه يستقبل به فإنه مهما أقبل على وجه أعرض عن الآخر إلا أن يكون نبيا فيرى من خلفه كما يرى من أمامه فيكون وجها كله و ذلك هو المعبر عنه بالذوق الذي يكون عنه حقيقة الاشتياق و الشوق فما ينطق عن هوى ﴿إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ﴾ [ النجم:4] علمه ذو القوة المتين في صورة شديد القوي ف ﴿مٰا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وَ مٰا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطٰانٍ رَجِيمٍ﴾ فإنه من عين القرب أخبر لأنه من ﴿دَنٰا فَتَدَلّٰى فَكٰانَ﴾ كما تقدم ﴿قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ﴾ [ النجم:9] و ما هو من مرجمات الظنون كما يقولون في أصحاب الكهف الفتية المعلومة ﴿ثَلاٰثَةٌ رٰابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سٰادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف:22] يقول ما هو علي تحقيق فيما يخبرون به من عددهم هذا رجم في العدد و أين أنت لو أخذوا في حقيقة المعدود لخاضوا و ما حصلوا على طائل |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





