الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الأرحام القريبة إلا ليسعدوا بذلك و ما من شخص إلا و له رحم يصلها و لو بالسلام كما «قال صلوا أرحامكم و لو بالسلام» فإذا وصلنا رحمنا لم نصل على الحقيقة إلا هو و إن حملناه في عين رحمنا فهو يعرف نفسه كما إن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل إن تقع بيد السائل و قال ﴿لَنْ يَنٰالَ اللّٰهَ لُحُومُهٰا وَ لاٰ دِمٰاؤُهٰا وَ لٰكِنْ يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ مِنْكُمْ﴾ [الحج:37] و في نفس الأمر قد قلنا إنا وقاية له من كل سوء فلا بد لكل أحد أن يكون له صديق من الناس على أي دين كان و لا بد له من مراعاة صديقه و هو في النسب رحمه بلا شك لأنه أخوه لأمه و أبيه فكل بر طهر من أحد إلى أحد فهو صلة رحم لذا يقبلها اللّٰه من كل أحد فضلا من اللّٰه و نعمة غير أنهم بينهم مفاضلة في القرب قال علي بن أبي طالب القيرواني في ذلك الناس في جهة التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم و الأم حواء فإن يكن لهم من أصلهم نسب *** يفاخرون به فالطين و الماء ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء و قدر كل امرئ ما كان يحسنه *** و الجاهلون لأهل العلم أعداء [القرابة قرابتان قرابة الدين و قرابة الطين]و القرابة قرابتان قرابة الدين و قرابة الطين فمن جمع بين القرابتين فهو أولى بالصلة و إن انفرد أحدهما بالدين و الآخر بالطين فتقدم قرابة الدين على قرابة الطين كما فعل الحق تعالى في الميراث فورث قرابة الدم و لم يورث قرابة الطين إذا اختلفا في الدين فكان الواحد مؤمنا بالله وحده و الأخ الآخر كافر بأحدية اللّٰه و مات أحد الأخوين لم يجعل له نصيبا في ميراثه فقال لا يتوارث أهل ملتين و قد ذهب عقيل دون علي بن أبي طالب بمال أبيه لما مات أبو طالب عم رسول اللّٰه ﷺ و كل من قطع رحمه في حق شخص و هو قد وصلها في حق شخص آخر فالذي يرعى اللّٰه من ذلك جانب الوصلة لا جانب القطع فإنه القائل على لسان رسوله ﷺ أتبع السيئة مثل قطع تلك الرحم الحسنة مثل وصلة الرحم تحمها فوصل رحمه في زيد يمحو قطع رحمه في عمرو و هذا أخوه و هذا أخوه لأن اللّٰه يصل الرحم و لا يقطعها فالحق يعضده في صلة من وصلها و يقطع من قطعها لأنه عين ذلك الذي قطعها ففي الوصل كلمة عناية إلهية بالواصل و في القطع كلمة تحقيق أي أن الأمر كذلك فما في العالم إلا من هو وصول رحمه الأقوى الأقرب فإن أفضل الصلات في الأرحام صلة الأقرب فالأقرب و قد جاء في الصدقة أن أفضلها اللقمة يجعلها الإنسان في فمه لأنه لا أحد أقرب إليه من نفسه و اللّٰه أقرب إلى العبد من نفسه منه فإنه القائل ﴿نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16] فإذا وصله العبد فقد وصل الأقرب بلا شك فقد أتى ما هو الأولى بالوصل في الأقربين فإن النص فيه و لهذا عم كل الأشياء اتساع رحمته فمن حجر رحمة اللّٰه فما حجرها إلا على نفسه و لو لا أن الأمر على خلاف ذلك لم ينل رحمة اللّٰه من حجرها و قصرها و لكن و اللّٰه ما يستوي حكم رحمة اللّٰه فيمن حجرها بمن لم يحجرها و أطلقها من عين المنة كما أطلقها اللّٰه في كتابه في قوله ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] فما من شيء إلا و هو طامع في رحمة اللّٰه فمنهم من تناله بحكم الوجوب و منهم من تناله بحكم المنة كنت قاعدا يوما بإشبيلية بين يدي شيخنا في الطريق أبي العباس العريني من أهل العليا بمغرب الأندلس فدخل عليه رجل فوقع ذكر المعروف و الصدقة فقال الرجل اللّٰه يقول الأقربون أولى بالمعروف فقال الشيخ على الفور إلى اللّٰه فما أبردها على الكبد و كذلك هو الأمر في نفسه و لا أقرب من اللّٰه فهو القريب سبحانه الذي لا يبعد إلا بعد تنزيه و تنقطع الأرحام بالموت و لا ينقطع الرحم المنسوبة إلى الحق فإنه معنا حيثما كنا و نحن ما بيننا نتصل في وقت و ننقطع في وقت بموت أو بفقد و ارتحال و كم من حال قد أغنى عن سؤال و من جهل نفسه فهو بغيره أجهل و من علم غيره فهو بنفسه أعلم «من عرف نفسه عرف ربه» ليس الذي يخبر عن غيره *** مثل الذي يخبر عن نفسه لأنه يخبر عن فوقه *** في غيبه كان و في حسه و كل من أخبر عن نفسه *** فإنما أخبر عن جنسه و الحق إن قيدته إنه *** لا يحجب المحبوس في حبسه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |