الكامل و انتقل إلى البرزخ هوت السماء و هو قوله تعالى ﴿وَ انْشَقَّتِ السَّمٰاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وٰاهِيَةٌ﴾ [الحاقة:16] أي ساقطة إلى الأرض و السماء جسم شفاف صلب فإذا هوت السماء حلل جسمها حر النار فعادت دخانا أحمر كالدهان السائل مثل شعلة نار كما كانت أول مرة و زال ضوء الشمس فطمست النجوم فلم يبق لها نور إلا أن سباحتها لا تزول في النار لا بل انتثرت فهي على غير النظام الذي كان سيرها في الدنيا فتعطي من الأحكام في أهل النار على قدر ما أوحى فيها اللّٰه تعالى لأن الأخرى تجديد نشأة أخرى في الكل لا يعرفها العقل الأول و لا اللوح المحفوظ و لذلك «قال ﷺ إنه يحمد اللّٰه يوم القيامة في المقام المحمود بمحامد لا يعلمها الآن» يعلمه اللّٰه إياها في ذلك اليوم بحسب ما يظهر في ذلك من حكم الأسماء الإلهية لا يعلمها أحد اليوم فنشأة الخلق و أحوالهم و ما يكون منهم في القيامة و الدارين على غير نشأة الدنيا و إن أشبهتها في الصورة و لذلك قال ﴿وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولىٰ فَلَوْ لاٰ تَذَكَّرُونَ﴾ أنها كانت على غير مثال كذلك ينشئكم ﴿فِي مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ﴾ [الواقعة:61] يوم القيامة فلنذكر في هذا الباب طرفا من هيأة جهنم و هيأة الجنات و ما فيها مما لم نذكره في بابهما فيما تقدم و لنجعل ذلك كله في أمثلة ليقرب تصورها على من لا يتصور المعاني من غير ضرب مثل كما ضرب اللّٰه للقلوب مثلا بالأودية بقدرها في نزول الماء و كما ضرب المثل لنوره بالمصباح كل ذلك ليقرب إلى الأفهام الضعيفة الأمر و هو قوله ﴿خَلَقَ الْإِنْسٰانَ عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ﴾ بما بين له فعلم كيف يبين لغيره فنقول إن الجسم لما ملأ الخلأ كان أول شكل قبله الاستدارة فسمى تلك الاستدارة فلكا و في تلك الدائرة ظهرت صور العالم كله أدناه و أعلاه و لطيفه و كثيفه و ما يتحيز منه و ما لا يتحيز فالذي ملأ الخلأ غير متحيز و لا في مكان و لا يقبل المكان و لو لا اتصاف الحق بالإحاطة ما توهم العقل انحصار هذا الجسم الكل في الخلأ و لا توهم الخلأ إلا من شهود الجسم المحسوس كما لم يتوهم انحصار الممكنات و إن كانت لا تتناهى في نفس الأمر و ما وجد منها هو متناه و يدخل في ذلك العقل الأول و كل ما لا يتحيز و لا يقبل المكان و كان ينبغي أن يقال فيما لا يتحيز أن ذلك غير متناه لأن التناهي لا يعقل إلا في المكان و الزمان الموجود و قد وجد ما لا يتحيز فكيف يعقل فيه التناهي و كذلك ما دخل في الوجود من المراتب و إن كانت عدما فإنها متوهمة الوجود فإن المراتب نسب عدمية و هي المكانة تنزل كل شيء موجود أو معدوم بالحكم في رتبته سواء كان واجب الوجود لذاته أو واجب الوجود لغيره أو محال الوجود فللعدم الخالص مرتبة و للوجود المحض مرتبة و للممكن المحض مرتبة كل مرتبة متميزة عن الأخرى فلا بد من الحصر المتوهم و المعقول و المعلومات كلها في علم اللّٰه على ما هي عليه فهو يعلم نفسه و يعلم غيره و وجوده لا يتصف بالتناهي و ما لم يدخل في الوجود فلا يتصف بالتناهي و الأجناس متناهية و هي معلومة بعلمه و العلم محيط بما يتناهى و ما لا يتناهى مع حصر العلم له و هنا حارت العقول من حيث أفكارها ثم إن الحق إن حققت الأمر قد أدخل نفسه في الوصف الذي وصف به من الظرفية فوصف نفسه بأنه في العماء و على العرش و في السماء و في الأرض و وصف نفسه بالقبل و بالمعية و بكل شيء و جعل نفسه عين كل شيء بقوله ﴿كُلُّ شَيْءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ﴾ [القصص:88] ثم قال ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ [الأنعام:62] و هو ما ظهر في عين الأشياء ثم قال ﴿وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة:245] أي مردكم من كونكم أغيارا إلي فيذهب حكم الغير فما في الوجود إلا أنا و نبين ذلك مثلا باسم الإنسان بجملة تفاصيله و اتصافه بأحكام متغايرة من حياة و حس و قوى و أعضاء مختلفة في الحركات و كل ما يتعلق بهذا المسمى إنسانا و ليست هذه الأعيان التي تظهر فيها هذه الأحكام بأمر غير الإنسان فإلى الإنسان ترجع هذه الأحكام و الأحكام في الحق صور العالم كله ما ظهر منه و ما يظهر و الأحكام منه و لهذا قال ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ [الأنعام:62] ثم يرجع الكل إلى أنه عينه فهو الحاكم بكل حكم في كل شيء حكما ذاتيا لا يكون إلا هكذا فسمى نفسه بأسمائه فحكم عليه بها و سمي ما ظهر به من الأحكام الإلهية في أعيان الأشياء ليميز بعضها عن بعض كما ميز جسم الإنسان عن روحه و ليس إنسانا إلا بمجموعه كما تسمى خالقا به و بخلقه فلا يقال في روح الإنسان إنها عين الإنسان و لا غيره و كذلك في حقائقه و لوازمه و عوارضه لا يقال في يد الإنسان و لا في شيء من أعضائه أنه عين الإنسان و لا غير الإنسان كذلك أعيان العالم لا يقال إنها عين الحق و لا غير الحق بل الوجود كله حق و لكن من الحق ما يتصف بأنه مخلوق و منه ما يوصف بأنه غير مخلوق لكنه كل موجود فإنه موصوف بأنه محكوم عليه بكذا فنقول في اللّٰه إنه ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97]