الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فأتاه بثمرها فأكل آدم و زوجته حواء و صدقا إبليس و هو الكذوب في قوله ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لاٰ يَبْلىٰ﴾ [ طه:120] و كذلك كان أورثه ذلك الأكل منها الخلد في الجنة و الملك الذي لا يبلى و ما قال له متى و جعل ذلك من خاصية تلك الشجرة فيمن أكل منها فأورثه الاجتباء الإلهي فأهبطه اللّٰه للخلافة في الأرض تصديقا لما قاله للملائكة ﴿إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30] و أهبط حواء للنسل و أهبط إبليس للاغواء ليحور عليه جميع ما يغوي به بنى آدم إذا عمت الناس رحمة اللّٰه فجعل اللّٰه كل مخالفة تكون من الإنسان من إلقاء العدو و إغوائه فقال ﴿اَلشَّيْطٰانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشٰاءِ﴾ [البقرة:268] أي بإظهارها يعني بذلك وقوعها منكم لما علم إن الإنسان قد رفع عنه الحق ما حدث به نفسه و ما هم به من السوء إلا أن يظهر ذلك على جوارحه بالعمل و هو الفحشاء فقال تعالى ﴿وَ اللّٰهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ﴾ [البقرة:268] لما وقع منكم من الفحشاء التي أمركم بها الشيطان و فضلا لما وعدكم به من الفقر و هذه أعظم آية و أشدها مرت على سمع إبليس فإنه علم أنه لا ينفعه إغواؤه و لهذا لا يحرص إلا على الشرك خاصة لكونه سمع الحق يقول ﴿إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء:48] و تخيل أن العقوبة على الشرك لا ينتهي أمدها و اللّٰه ما قال ذلك فلا بد من عقوبة المشرك و من سكناه في جهنم فإنه ليس بخارج من النار فهو مؤبد السكنى و لم يتعرض لانتهاء مدة العذاب فيها بالشقاء و ليس الخوف إلا من ذلك لا من كونها دار إقامة لمن يعمرها فصدق اللّٰه بكون المشرك مأخوذا بشركه فهو بمنزلة إقامة الحد على من تعين عليه سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة فهي حدود إلهية يقيمها الحق على عبده إذا لم يغفر له أسبابها و جهل إبليس انتهاء مدة عقوبة المشرك من أجل شركه و لهذا طمع إبليس في الرحمة الإلهية التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و طمعه فيها من عين المنة لإطلاقها لأنه علم في نفسه أنه موحد و إنما سماه اللّٰه كافرا في قوله تعالى ﴿وَ كٰانَ مِنَ الْكٰافِرِينَ﴾ [البقرة:34] لأنه يستر عن العباد طرق سعادتهم التي جاء بها الشرع في حق كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك فقال فيه ﴿أَبىٰ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كٰانَ مِنَ الْكٰافِرِينَ﴾ [البقرة:34] و لم يقل من المشركين لأنه يخاف اللّٰه رب العالمين [محاجة عيسى عليه السّلام مع إبليس]و يعلم أن اللّٰه واحد و قد علم حال مال الموحدين إلى أين يصير سواء كان توحيده عن إيمان أو عن نظر من غير إيمان كما «قال عيسى عليه السّلام لإبليس لما عجز إبليس أن يطيعه عيسى عليه السّلام فقال له إبليس يا عيسى قل لا إله إلا اللّٰه حرص أن يطيعه فقال له عيسى عليه السّلام أقولها لا لقولك لا إله إلا اللّٰه» و قد علم إبليس أن جهنم لا تقبل خلود أهل التوحيد فيها و أن اللّٰه لا يترك فيها موحدا بأي طريق كان توحيده فعلى هذا القدر اعتمد إبليس في حق نفسه فعلم من وجه و جهل من وجه إذ لا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا اللّٰه عزَّ وجلَّ الذي ﴿أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [الطلاق:12] سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه قال لي الحق في ضميري *** ما أجهل الخلق بالأمور ما عرف الأمر غير شخص *** منبئ عالم خبير مهيأ للهدى معد *** ندب بأمر الورى بصير قد علم الحق علم ذوق *** ليس بحدس و لا شعور و لا تناء و لا تدان *** و لا خفاء و لا ظهور «الوصل التاسع من خزائن الجود»قال تعالى ﴿وَ الْتَفَّتِ السّٰاقُ بِالسّٰاقِ﴾ [القيامة:29] فهو التفاف لا ينحل فإنه تعالى تمم فقال ﴿إِلىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسٰاقُ﴾ [القيامة:30] فأتى بالاسم الذي يعطي الثبات و الأمر ملتف بالأمر و إلى الرب المساق فلا بد من ثبات هذا الالتفاف في الدار الآخرة فعين أمر الدنيا عين أمر الآخرة غير إن موطن الآخرة لا يشبه موطن الدنيا لما في الآخرة من التخليص القائم بوجود الدارين فوقع التمييز بالدار و الكل آخرة فالتف أمر الدنيا بأمر الآخرة لا عين الدنيا بأمر الآخرة و لا عين الدنيا بعين الآخرة و لكل دار أهل و جماعة و الأمر ما هو عليه ذلك الجميع و إن اختلفت الأحوال فلا تزال الناس في الآخرة ينتقلون بالأحوال كما كانوا في الدنيا ينتقلون بالأحوال و الأعيان ثابتة فإن الرب يحفظها فالانتقال هو الجامع و فيما ذا ينتقلون فذلك علم آخر يعلم من وجه آخر فمن كون الآخرة دار جزاء كما كانت الدنيا دار جزاء في الخير و الشر ظهر في الآخرة ما ظهر من سعادة و شقاء فالشقاء للغضب الإلهي و السعادة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |