الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و هو ما انصبغ به الممكن من الطرفين و لو لا ما هو بهذه المثابة من الحفظ لعين الطرفين ما وصف الحق نفسه بما أوجبه على نفسه بقوله ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54] و قال ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] ﴿جَزٰاءً وِفٰاقاً﴾ [النبإ:26] لما هو عليه الممكن من الوقاية و راعى المحال أيضا له ذلك فأفاض عليه من حقيقته فحفظ عليه عدمه و حفظ الحق عليه وجوده فاتصف الممكن بالوجود و العدم معا في الإثبات أي هو قابل لكل واحد منهما كما اتصف أيضا لهذا بأنه لا موجود و لا معدوم في النفي فجمع بينهما في وصفه بين النفي و الإثبات فلو كان موجودا لا يتصف بالعدم لكان حقا و لو كان معدوما لا يتصف بالوجود لكان محالا فهو الحافظ المحفوظ و الواقي الموقى فهذا الحد له لازم ثابت لا يخرج عنه و لهذا أيضا اتصف بالحيرة بين العدم و الوجود لعدم تخلصه إلى أحد الطرفين لأنه لذاته كان له هذا الحكم فإن قلت حق كان قولك صادقا *** و إن قلت فيه باطل لست تكذب فإذا علمت هذا فلنقل ما تجاوز فيه الناس من مسمى النور و الظلمة المعروفين في العرف ظاهرا كالأنوار المنسوبة إلى البروق و الكواكب و السرج و أمثال ذلك و الظلم المشهودة المعلومة المدركة ظاهرا للحس و أنوار الباطن المعنوية كنور العقل و نور الايمان و نور العلم و ظلمة الباطن كظلمة الجهل و الشرك و عدم العقل و الذي ليس بظلمة و لا نور كالشك و الظن و الحيرة و النظر فهذا أيضا ليس بظلمة و لا نور فهذه مجازاة حقائق الواجب و المحال و الممكن في عرف الممكنات فقد جمع الممكن بنفسه حقيقته و حقيقة طرفيه و أبين ما يكون ذلك في الممكن ما فيه من المعاني و المحسوسات و الخيالات و هذا المجموع لا يوجد حكمه إلا في الممكن لا في الطرفين أصلا فالعلم بالممكن هو بحر العلم الواسع العظيم الأمواج الذي تغرق فيه السفن و هو بحر لا ساحل له إلا طرفيه و لا يتخيل في طرفيه ما تتخيله العقول القاصرة عن إدراك هذا العلم كاليمين و الشمال لما بينهما ليس هذا الأمر كذلك بل إن كان و لا بد من التخيل فلتتخيل ما هو الأقرب بالنسبة لما ذكرناه أن الشأن في نفسه كالنقطة من المحيط و ما بينهما فالنقطة الحق و الفراغ الخارج عن المحيط العدم أو قل الظلمة و ما بين النقطة و الفراغ الخارج عن المحيط الممكن كما رسمناه مثالا في الهامش و إنما أعطينا النقطة لأنها أصل وجود محيط الدائرة و بالنقطة ظهرت كذلك ما ظهر الممكن إلا بالحق و المحيط من الدائرة إذا فرضت خطوطا من النقطة إلى المحيط لا تنتهي إلا إلى نقطة فالمحيط كله بهذه المثابة من النقطة و هو قوله ﴿وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج:20] و قوله ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت:54] فكانت كل نقطة من المحيط انتهاء الخط و النقطة الخارج منها الخط إلى المحيط ابتداء الخط ف ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ﴾ [الحديد:3] فهو أول لكل ممكن كالنقطة أول لكل خط و ما خرج عن وجود الحق و ما ظهر من الحق فذلك العدم الذي لا يقبل الوجود و الخطوط الخارجة الممكنات فمن اللّٰه ابتداؤها و إلى اللّٰه انتهاؤها ﴿وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] فإن الخط إنما ينتهي إلى نقطة فأولية الخط و آخريته هما من الخط ما هما من الخط كيف شئت قلت و هذا هو الذي ينبغي أن يقال فيه لا هي هو و لا هي غيره كالصفات عند الأشاعرة فمن عرف نفسه هكذا عرف ربه و لهذا أحالك الشارع في العلم بالله على العلم بك و هو قوله ﴿سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا﴾ [فصلت:53] و هي الدلالات ﴿فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت:53] فما ترك شيئا من العالم فإن كل ما خرج من العالم عنك فهو عين الآفاق و هي نواحيك ﴿حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت:53] لا غيره إذ لا غير و لهذا كان الخط مركبا من نقط لا تعقل إلا هكذا و السطح مركب من خطوط فهو مركب من نقط و الجسم |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |