فإذا علمت هذا فلنقل ما تجاوز فيه الناس من مسمى النور و الظلمة المعروفين في العرف ظاهرا كالأنوار المنسوبة إلى البروق و الكواكب و السرج و أمثال ذلك و الظلم المشهودة المعلومة المدركة ظاهرا للحس و أنوار الباطن المعنوية كنور العقل و نور الايمان و نور العلم و ظلمة الباطن كظلمة الجهل و الشرك و عدم العقل و الذي ليس بظلمة و لا نور كالشك و الظن و الحيرة و النظر فهذا أيضا ليس بظلمة و لا نور فهذه مجازاة حقائق الواجب و المحال و الممكن في عرف الممكنات فقد جمع الممكن بنفسه حقيقته و حقيقة طرفيه و أبين ما يكون ذلك في الممكن ما فيه من المعاني و المحسوسات و الخيالات و هذا المجموع لا يوجد حكمه إلا في الممكن لا في الطرفين أصلا فالعلم بالممكن هو بحر العلم الواسع العظيم الأمواج الذي تغرق فيه السفن و هو بحر لا ساحل له إلا طرفيه و لا يتخيل في طرفيه ما تتخيله العقول القاصرة عن إدراك هذا العلم كاليمين و الشمال لما بينهما ليس هذا الأمر كذلك بل إن كان و لا بد من التخيل فلتتخيل ما هو الأقرب بالنسبة لما ذكرناه أن الشأن في نفسه كالنقطة من المحيط و ما بينهما فالنقطة الحق و الفراغ الخارج عن المحيط العدم أو قل الظلمة و ما بين النقطة و الفراغ الخارج عن المحيط الممكن كما رسمناه مثالا في الهامش و إنما أعطينا النقطة لأنها أصل وجود محيط الدائرة و بالنقطة ظهرت كذلك ما ظهر الممكن إلا بالحق و المحيط من الدائرة إذا فرضت خطوطا من النقطة إلى المحيط لا تنتهي إلا إلى نقطة فالمحيط كله بهذه المثابة من النقطة و هو قوله ﴿وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج:20] و قوله ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت:54]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية