«سئل ﷺ هل رأيت ربك فقال نوراني أراه» فنبه بهذا القول على غاية القرب فإنه أقرب إلى الإنسان من حبل وريده : ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:85] يقول اللّٰه ذلك في المحتضر فالحق هو النور المحض و المحال هو الظلمة المحضة فالظلمة لا تنقلب نورا أبدا و النور لا ينقلب ظلمة أبدا و الخلق بين النور و الظلمة برزخ لا يتصف بالظلمة لذاته و لا بالنور لذاته و هو البرزخ و الوسط الذي له من طرفيه حكم و لهذا جعل للإنسان عينين و هداه النجدين لكونه بين طريقتين فبالعين الواحدة من الطريق الواحدة يقبل النور و ينظر إليه بقدر استعداده و بالعين الأخرى من الطريق الأخرى ينظر إلى الظلمة و يقبل عليها و هو في نفسه لا نور و لا ظلمة فلا هو موجود و لا هو معدوم و هو المانع القوي الذي يمنع النور المحض أن ينفر الظلمة و يمنع الظلمة المحضة أن تذهب بالنور المحض فيتلقى الطرفين بذاته فيكتسب بهذا التلقي من النور ما يوصف به من الوجود و يكتسب بهذا التلقي من الظلمة ما توصف به من العدم فهو محفوظ من الطرفين و وقاية للطرفين فلا يقدر قدر الخلق إلا اللّٰه فهذا أصل الأنوار و الظلمات الظاهرة في العالم و هو ما انصبغ به الممكن من الطرفين و لو لا ما هو بهذه المثابة من الحفظ لعين الطرفين ما وصف الحق نفسه بما أوجبه على نفسه بقوله ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54] و قال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية