الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فالنجد الواحد تكون غايته أنت في هو و النجد الآخر يكون غايته هو في أنت و أما عند قوم آخرين فالنجد الواحد تكون غايته أنت عين هو و النجد الآخر تكون هو عين أنت و أما عند قوم آخرين فيكون غاية النجدين هو و عين النجدين أنت و عين السالك هو و أما عند قوم آخرين فيكون غاية النجدين و عين النجدين و إنهما عين اليدين و عين السالك أنت و كل من ذكرناه على صراط مستقيم فتعويج القوس للرمي عين صراطه المستقيم ف ﴿لاٰ يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّٰ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ فما زلنا من الخلاف لأنهم قد خالفوا المختلفين و لذلك خلقهم فما تعدى كل خلق ما خلق له فالكل طائع و إن كان فيهم من ليس بمطيع مع كونه طائعا [إن الاستواء صفة للحق على العرش]و لما كان الاستواء صفة للحق على العرش و خلق الإنسان على صورته جعل له مركبا سماه فلكا كما كان العرش فلكا فالفلك مستوي الإنسان الكامل و جعل لمن هو دون الإنسان الكامل مركبا غير الفلك من الأنعام ﴿وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ﴾ [النحل:8] ليستوي الإنسان على ظهور هذه المراكب و شاركهم في ركوبها الإنسان الكامل فالكامل من الناس يستوي على كل مركوب و غير الكامل لا يستوي على الفلك إلا بحكم التبعية لا لعينه كما ورد في اليقين حين «قال عليه السّلام في عيسى عليه السّلام لو ازداد يقينا لمشى في الهواء» يشير إلى إسرائه و معلوم أن عيسى عليه السّلام أكثر يقينا منا لا من النبي ﷺ و نحن نمشي في الهواء بحكم التبعية لمن نحن أمته ﷺ لا بأنا أكثر في اليقين من عيسى عليه السّلام كما إن أمة عيسى عليه السّلام قد مشت على الماء كما مشى عليه السّلام على الماء و لكن نعلم و إن كان الأمر في هذا في حقنا بحكم التبعية أن كل الأمة ما مشت في الهواء كما مشى محمد ﷺ لأنه لم يكن بعض أمته تابعا له في كل ما أمر بأن يتبع فيه فمن وفى بحق اتباعه كان له حكمه كما قال ﴿أَدْعُوا إِلَى اللّٰهِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي﴾ و أين المشي في الهواء في الشرف لمن يكون الحق سمعه و بصره في الدءوب على نوافل الخيرات المنتجة أو المنتج ذلك الدءوب عليها لمحبة اللّٰه إياه و تلك المحبة أنتجت له أن يكون الحق سمعه و بصره فهذا معنى قولنا بحكم التبعية لما أمر به و نهي عنه لا من كوننا أمة له فقط بل من المجموع و هو اتباع خاص لأنه نبي معين خاص دون غيره فيورث اتباع شريعته بالعمل ما يكون عليه من أحوال رسول تلك الشريعة و هذه عناية من اللّٰه تعالى فإن أمة كل نبي لا تطيق حال نبيها إذ لو أطاقته لكانت مثلا له فتستقل بالأمر دونه و ليس الأمر كذلك فإنه لو طلع حيثما طلع لا يزال تابعا و «قد أبان ﷺ عن مثل هذا فقال من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها» فله الزيادة عليهم بما له من أجرها الزائد على أجر العاملين بها و ليس لهم ذلك الأجر الخاص به فلا يلحقونه أبدا في ذلك المقام فهم تابعون له دنيا و آخرة و كشفا و الرسل عليه السّلام منهم ظهرت السنن فلا تزال أممهم أتباعا لهم أبدا [أن اللّٰه تعالى مطلق الوجود و لم يكن له تقييد مانع من تقييد]و اعلم أن اللّٰه تعالى لما كان له مطلق الوجود و لم يكن له تقييد مانع من تقييد بل له التقييدات كلها فهو مطلق التقييد لا يحكم عليه تقييد دون تقييد فافهم معنى نسبة الإطلاق إليه و من كان وجوده بهذه النسبة فله إطلاق النسب فليست نسبة به أولى من نسبة فما كفر من كفر إلا بتخصيص النسب مثل قول اليهود و النصارى عن أنفسهم دون غيرهم من أهل الملل و النحل ﴿نَحْنُ أَبْنٰاءُ اللّٰهِ وَ أَحِبّٰاؤُهُ﴾ [المائدة:18] فإذ و قد انتسبوا إليه كانوا يعمون النسبة و إن كانت خطأ في نفس الأمر فقال لهم اللّٰه ﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ [المائدة:18] يقول تعالى النسبة واحدة فلم خصصتم نفوسكم بها دون هؤلاء و إن أخطأتم في نفس الأمر فخطؤكم من عموم النسبة أقل من خطئكم من خصوصها فإن ذلك تحكم على اللّٰه من غير برهان و أما طائفة أخرى فجعلوا لله ما يكرهون فقالوا الملائكة بنات اللّٰه فحكموا عليه بأنه ﴿أَصْطَفَى الْبَنٰاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ [الصافات:153] فتوجه عليهم الحكم بالإنكار في حكمهم مع كونهم يكرهون ذلك لنفوسهم مع كونهم يقولون في الشركاء ﴿مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ﴾ [الزمر:3] مع كونهم جعلوا لله جزءا من عباده فلو أضافوا الكل إليه لم يكن ذلك من الكفر الظاهر بل يكون الحكم فيه بحكم ما نسبوا فإن وقعت النسبة العامة للخلق بكونهم عبيدا سعدوا و إن وقعت بالنبوة طولبوا بما قصدوا فإن استندوا ذلك إلى خبر إلهي سلموا بل سعدوا مثل قوله ﴿لَوْ أَرٰادَ اللّٰهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَصْطَفىٰ﴾ [الزمر:4] فأجاز التبني بل فيه رائحة من كون جبريل تمثل لمريم ﴿بَشَراً سَوِيًّا﴾ [مريم:17] و قد وصف الحق تعالى نفسه بالتحول في الصور و أجرى أحكامها عليه و هو علم يومي إليه لأجل الايمان و لا يفشي في |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |