الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
وراء اللّٰه قلنا ليس الأمر كما زعمت بل اللّٰه وراء الذات و ليس وراء اللّٰه مرمى فإن الذات متقدمة على المرتبة في كل شيء بما هي مرتبة لها فليس وراء اللّٰه مرمى [جواب الباطنية عن اللّٰه]فحصلوا من العلم بالله ما لم يكن عندهم بالقصد الأول حين حازوا العساكر و كان الذي حجبهم ابتداء عن هذه المعرفة غيرتهم أن يشترك الحق مع كون من الأكوان في حال أو عين أو نسبة فلهذا كان مقصودهم أن يلحقوا الأعيان بمطلق العدم و هو المقام الذي تشير إليه الباطنية بقولها في جواب من يقول لها اللّٰه موجود فنقول ليس بمعدوم فإذا قلت لهم اللّٰه حي تقول ليس بميت فإن قيل لهم فالله قادر قالت ليس بعاجز فلا تجيب قط بلفظة تعطي الاشتراك في الثبوت فتجيب بالسلب و هذا كله من باب الغيرة و لا تقدر تنفي الأعيان فتستعين بهؤلاء العساكر على إعدام هذه الأعيان و زوال حكم الثبوت منها فتجد العساكر توجدها و تكسوها حلة الوجود فإذا رأت أنها مظاهر الحق رضيت بأن تبقيها أعيانا ثابتة و لا تراها موجودة و يكون عين شهودها ناظرة فيها إلى وجود الحق و أنه لا وجود اكتسبته من الحق بل حكمها مع الوجود حكمها و لا وجود و إن الذي ظهر ما هو غير هذا غايتها و هو قوله ﴿إِلىٰ رَبِّكَ مُنْتَهٰاهٰا﴾ [النازعات:44] فكان منتهاها ربها [من كانت عساكره العزائم فمنتهاه إلى الرخص]فأما من كانت عساكره العزائم فمنتهاه إلى الرخص من طريقين الطريق الواحدة أحدية المحبة فيهما فيكون منتهاهم إلى شهودها و هو الذي «أشار إليه صلى اللّٰه عليه و سلم بقوله إن اللّٰه يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه» فينحل عقد الأخذ بالعزائم بهذه المشاهدة لكونه يفوته من العلم بالله على قدر ما فاته من الأخذ بالرخصة و الطريقة الأخرى تنتهي بهم إلى شهود كونه في العزائم هو عين كونه في الرخص و هم لا نسبة لهم في واحدة منهما فينحل ما عقدوا عليه انحلالا ذاتيا لا تعمل لهم فيه و من هذا المقام يقول بعضهم بتفضيل الرسل بعضهم على بعض على أنه في نفس الأمر كما ورد في الخطاب من قوله ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ﴾ [البقرة:253] فينتهي بهم هذا الأمر إلى حل عقد التفضيل بقوله ﴿لاٰ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة:285] و من فضل فقد فرق فلو لا وحدانية الأمر ما كان عين الجمع عين الفرق كما أن السالك يمشي حنبليا أو حنفيا مقتصرا على مذهب بعينه يدين اللّٰه به لا يرى مخالفته فينتهي به هذا المشهد إلى أن يصبح يتعبد نفسه بجميع المذاهب من غير فرقان و من هنا يبطل النسخ عنده الذي هو رفع الحكم بعد ثبوته لا انقضاء مدته [منتهى كل عسكر إلى فعله الذي وجه إليه]فإلى ما ذكرناه منتهاهم على حسب ما أعطته عساكرهم فإن العساكر تختلف فإن جند الرياح ما هي جند الطير و جند الطير ما هو جند المعاني الحاصلة في نفوس الأعداء كالروع و الجبن فمنتهى كل عسكر إلى فعله الذي وجه إليه من حصار قلعة و ضرب مصاف أو غارة أو كبسة كل عسكر له خاصية في نفس الأمر لا يتعداه قال تعالى في الطير ﴿تَرْمِيهِمْ بِحِجٰارَةٍ﴾ [الفيل:4] و قال في الريح ﴿مٰا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّٰ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات:42] و قال في الرعب ﴿وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [الحشر:2] فانظر منتهى كل عسكر إلى ما أثر في نفس من عسكر إليه فالحق لا يتقيد إذ كان هو عين كل قيد فالناس بين محجوب و غير محجوب جعلنا اللّٰه ممن أشهد الحق في عين حجابه و في رفع حجابه و فيما كان له من راء حجابه (السؤال الخامس)فإن قيل قد عرفنا أينية منازل أهل القربةو أينية منتهى العساكر و منتهى من حازها فأين مقام أهل المجالس و الحديث قلنا في الجواب أما أهل المجالس المحدثون فمجالسهم خلف الحجاب الأنزل الأقدس في النزول و لهم ست حضرات لهم في الحضرة الأولى ثمانية مجالس المجلس الثاني و السادس يسمى مجالس الراحات و هي من باب وفق اللّٰه بالعباد الذين لهم هذه الأحوال و مجلسان الأول الذي هو الرابع و الثامن فهما مجلسا الجمع بين العبد و الرب و مجلس الفصل بين العبد و الرب على مراتب أبينها و أما الأربعة مجالس التي بقيت فالحديث فيها على مراتب متعددة و كذلك الحضرة الثانية و الحضرة الرابعة فيها ثمانية مجالس على ما ذكرناه و أما في الحضرة السادسة فمجلسان و أما في الحضرة الثالثة فستة مجالس و أما في الحضرة الخامسة فاربعة مجالس و انتهت أمهات مجالس أهل الحديث مع اللّٰه من حيث هم محدثون لا من حيث لهم مجالس [مراتب أهل المجالس الذين هم أهل الشهود]و أما أهل المجالس لا من كونهم محدثين فهم أهل الشهود و هم على أربع مراتب في مجالسهم فالمحدثون جلوسهم من حيث هم من خلف ذلك الحجاب و أهل المجالس فمن حيث المراتب التي أعد لهم الحق فمنهم من أعد لهم منابر و منهم من أعد لهم أرائك و منهم من أعد لهم |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





