﴿وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ﴾ [الأنفال:17] فكل منصور بجند اللّٰه فهو دليل على عناية اللّٰه به و لا يكون منصورا بهم على الاختصاص إلا بتعريف إلهي فإن نصره اللّٰه من غير تعريف إلهي فليس هو من هذه الطبقة التي حازت العساكر فلا بد من اشتراط النصر حقا في ذلك القصد و صاحب هذا المقام يعين لأصحابه مصارع القوم كما فعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في غزوة بدر فإنه ما من شخص من أجناد اللّٰه إلا و هو يعرف عين من سلط عليه و متى يسلط عليه و أين يسلط عليه فتتشخص الأجناد لصاحب هذا المقام في الأماكن التي هي مصارع القوم كل شخص على صورة المقتول و باسمه فيراه صاحب هذا المقام فيقول هذا هو مصرع فلان و هذا هو مقام الإمام الواحد من الإمامين و أقرب شيء ينال به هذا المقام البغض في اللّٰه و الحب في اللّٰه فتكون همم هذه الطبقة و أنفاسهم من جملة العساكر التي حازوها بما ذكرناه و هو الموالاة في اللّٰه و العداوة في اللّٰه عن عزم و صدق مع كونهم لا يرون إلا اللّٰه فيجدون من الانضغاط و كظم الغيظ ما لا يعلمه إلا اللّٰه و العين تحرسهم في باطنهم هل ينظرون في ذلك أنه غير اللّٰه فإذا تحققوا ذلك حازوا عساكر الحق التي هي أسماؤه سبحانه إذ أسماؤه تعالى عساكره و هي التي يسلطها على من يشاء و يرحم بها من يشاء فمن حاز أسماء اللّٰه فقد حاز العساكر الإلهية و رئيس هؤلاء الأجناد الأسمائية كما قلنا الاسم الملك هو المهيمن عليها و من عداه فأمثال السدنة له و يكفي هذا القدر في الجواب عن هذا السؤال
(السؤال الرابع)فإن قال إلى أين منتهاهم
قلنا في الجواب لا شك و لا خفاء أن هذه الطبقة هم أصحاب عقد و عهد و هو قوله ﴿رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضىٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب:23] فإذا حصلت هذه الطبقة فيما قلنا في غزوهم و سلكوا سبيل جهادهم كان منتهاهم إلى حل ما عقدوا عليه و نقض ما عسكروا إليه
[الأعيان مظاهر الحق فالمنتهى إليه و البدء منه و ليس وراء اللّٰه مرمى]
و ذلك أن الأعيان التي عسكروا لها و عقدوا مع اللّٰه أن يبيدوها فلما توجهوا بعساكرهم التي أوردناها إليها كانت آثار تلك العساكر فيها إيجاد أعيانها و هو خلاف مقصود العارف بهذه العساكر إذ كان المقصود إذهاب أعيانها و إلحاقها بمن لا عين له و ما علم أن الحقائق لا تتبدل و أن آثار العساكر فيها الوجود إذ كان سبق العدم لها لعينها فلا تؤثر فيها هذه العساكر العدم لأن العدم لها من نفسها فلم يبق إلا الوجود فوقع غير مقصود العارف و علم عند ذلك العارف أن تلك الأعيان مظاهر الحق فكان منتهاهم إليه و بدأهم منه و ليس وراء اللّٰه مرمى فإن قلت فالذات الغنية عن العالمين وراء اللّٰه قلنا ليس الأمر كما زعمت بل اللّٰه وراء الذات و ليس وراء اللّٰه مرمى فإن الذات متقدمة على المرتبة في كل شيء بما هي مرتبة لها فليس وراء اللّٰه مرمى
[جواب الباطنية عن اللّٰه]
فحصلوا من العلم بالله ما لم يكن عندهم بالقصد الأول حين حازوا العساكر و كان الذي حجبهم ابتداء عن هذه المعرفة غيرتهم أن يشترك الحق مع كون من الأكوان في حال أو عين أو نسبة فلهذا كان مقصودهم أن يلحقوا الأعيان بمطلق العدم و هو المقام الذي تشير إليه الباطنية بقولها في جواب من يقول لها اللّٰه موجود فنقول ليس بمعدوم فإذا قلت لهم اللّٰه حي تقول ليس بميت فإن قيل لهم فالله قادر قالت ليس بعاجز فلا تجيب قط بلفظة تعطي الاشتراك في الثبوت فتجيب بالسلب و هذا كله من باب الغيرة و لا تقدر تنفي الأعيان فتستعين بهؤلاء العساكر على إعدام هذه الأعيان و زوال حكم الثبوت منها فتجد العساكر توجدها و تكسوها حلة الوجود فإذا رأت أنها مظاهر الحق رضيت بأن تبقيها أعيانا ثابتة و لا تراها موجودة و يكون عين شهودها ناظرة فيها إلى وجود الحق و أنه لا وجود اكتسبته من الحق بل حكمها مع الوجود حكمها و لا وجود و إن الذي ظهر ما هو غير هذا غايتها و هو قوله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية