الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() هيولى لها أو أرواح لها و الوجود ظاهر تلك الأرواح و صور تلك الأعيان الهيولائية فالوجود كله حق ظاهر و باطنه الأشياء فالحديث الإلهي من بين الأشياء أوضح عند السامع في الدلالة إنه هو المكلم من أن يكلمنا في الأشياء فافهم و اللّٰه تعالى الملهم [الأخلاء الذين لهم مقام الاتحاد]و منهم رضي اللّٰه عنهم الأخلاء و لا عدد يحصرهم بل يكثرون و يقلون قال اللّٰه تعالى ﴿وَ اتَّخَذَ اللّٰهُ إِبْرٰاهِيمَ خَلِيلاً﴾ [النساء:125] و «قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لو كنت متخذا خليلا لا لاتخذت أبا بكر خليلا و لكن صاحبكم خليل اللّٰه» و المخاللة لا تصح إلا بين اللّٰه و بين عبده و هو مقام الاتحاد و لا تصح المخاللة بين المخلوقين و أعني من المخلوقين من المؤمنين و لكن قد انطلق اسم الأخلاء على الناس مؤمنيهم و كافريهم قال تعالى ﴿اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:67] فالخلة هنا للعاشرة و «قد ورد أن المرء على دين خليله» و قيل في مقام الخلة قد تخللت مسلك الروح مني *** و بذا سمي الخليل خليلا [لا تصح الخلة إلا بيت اللّٰه و عبده]و إنما قلنا لا تصح الخلة إلا بين اللّٰه و بين عبده لأن أعيان الأشياء متميزة و كون الأعيان وجود الحق لا غير و وجود الشيء لا يمتاز عن عينه فلهذا لا تصح الخلة إلا بين اللّٰه و عبيده خاصة إذ هذا الحال لا يكون بين المخلوقين لأنه لا يستفاد من مخلوق وجود عين فاعلم ذلك [شروط الخلة]و اعلم أن شروط الخلة لا تصح بين المؤمنين و لا بين النبي و تابعيه فإذا لم تصح شروطها لا تصح هي في نفسها و لكن في دار التكليف فإن النبي و المؤمن بحكم اللّٰه لا بحكم خليله و لا بحكم نفسه و من شروط الخلة أن يكون الخليل بحكم خليله و هذا لا يتصور مطلقا بين المؤمنين و لا بين الرسل و أتباعهم في الدار الدنيا و المؤمن تصح الخلة بينه و بين اللّٰه و لا تصح بينه و بين الناس لكن تسمى المعاشرة التي بين الناس إذا تأكدت في غالب الأحوال خلة فالنبي ليس له خليل و لا هو صاحب لاحد سوى نبوته و كذلك المؤمن ليس له خليل و لا صاحب سوى إيمانه كما إن الملك ليس هو صاحب أحد سوى ملكه فمن كان بحكم ما يلقى إليه و لا يتصرف إلا عن أمر إلهي فلا يكون خليلا لا حد و لا صاحبا أبدا فمن اتخذ من المؤمنين خليلا غير اللّٰه فقد جهل مقام الخلة و إن كان عالما بالخلة و الصحبة و وفاها حقها مع خليله و هو حاكم فقد قدح في إيمانه لما يؤدي ذلك إليه من إبطال حقوق اللّٰه فلا خليل إلا اللّٰه فالمقام عظيم و شأنه خطير و اللّٰه الموفق لا رب غيره [السمراء و هم صنف خاص من المحدثين]و منهم رضي اللّٰه عنهم السمراء و لا عدد يحصرهم و هم صنف خاص من أهل الحديث قال تعالى ﴿وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران:159] و هذا الصنف لا حديث لهم مع الأرواح فحديثهم مع اللّٰه من قوله تعالى ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيٰاتِ﴾ [الرعد:2] فجليسهم من الأسماء الإلهية المدبر المفصل و هم من أهل الغيب في هذا المقام لا من أهل الشهادة [الورثة و أصنافهم الثلاثة]و منهم رضي اللّٰه عنهم الورثة و هم ثلاثة أصناف ظالم لنفسه و مقتصد و سابق بالخيرات قال تعالى ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ بِإِذْنِ اللّٰهِ ذٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر:32] و «قال صلى اللّٰه عليه و سلم العلماء ورثة الأنبياء» و كان شيخنا أبو مدين يقول في هذا المقام من علامات صدق المريد في إرادته فراره عن الخلق و من علامات صدق فراره عن الخلق وجوده للحق و من علامات صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخلق و هذا هو حال الوارث للنبي صلى اللّٰه عليه و سلم فإنه كان يخلو بغار حراء ينقطع إلى اللّٰه فيه و يترك بيته و أهله و يفر إلى ربه حتى فجئه الحق ثم بعثه اللّٰه رسولا مرشدا إلى عباده فهذه حالات ثلاث ورثه فيها من اعتنى اللّٰه به من أمته و مثل هذا يسمى وارثا فالوارث الكامل من ورثه علما و عملا و حالا فأما قوله تعالى في الوارث للمصطفى إنه ﴿ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [الكهف:35] يريد حال أبي الدرداء و أمثاله من الرجال الذين ظلموا أنفسهم لأنفسهم أي من أجل أنفسهم حتى يسعدوها في الآخرة و ذلك «أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم قال إن لنفسك عليك حقا و لعينك عليك حقا» فإذا صام الإنسان دائما و سهر ليله و لم ينم فقد ظلم نفسه في حقها و عينه في حقها و ذلك الظلم لها من أجلها و لهذا قال ظالم لنفسه فإنه أراد بها العزائم و ارتكاب الأشد لما عرف منها و من جنوحها إلى الرخص و البطالة و جاءت السنة بالأمرين لأجل الضعفاء فلم يرد اللّٰه تعالى بقوله ﴿ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [الكهف:35] الظلم المذموم في الشرع فإن ذلك ليس بمصطفى و أما الصنف الثاني من ورثة الكتاب فهو المقتصد و هو الذي يعطي نفسه حقها من راحة الدنيا ليستعين بذلك على ما يحملها عليه من خدمة ربها في قيامه بين الراحة و أعمال البر و هو حال بين حالين بين العزيمة و الرخصة ففي قيام الليل يسمى المقتصد متهجدا لأنه يقوم و ينام |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |