المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النساء: [الآية 125]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة النساء | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 / 352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 / 94 - ج 2 / 107تفسير ابن كثير:
ثم قال تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ) أخلص العمل لربه ، عز وجل ، فعمل إيمانا واحتسابا ( وهو محسن ) أي : اتبع في عمله ما شرعه الله له ، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما ، أي : يكون خالصا صوابا ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون متبعا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة ، وباطنه بالإخلاص ، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد . فمن فقد الإخلاص كان منافقا ، وهم الذين يراؤون الناس ، ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا . ومتى جمعهما فهو عمل المؤمنين : ( الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم [ في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ] ) [ الأحقاف : 16 ] ; ولهذا قال تعالى : ( واتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة ، كما قال تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي [ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ] ) [ آل عمران : 68 ] وقال تعالى : ( [ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ] ) [ الأنعام : 161 ] و ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ النحل : 123 ] والحنيف : هو المائل عن الشرك قصدا ، أي تاركا له عن بصيرة ، ومقبل على الحق بكليته ، لا يصده عنه صاد ، ولا يرده عنه راد .
وقوله : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) وهذا من باب الترغيب في اتباعه ; لأنه إمام يقتدى به ، حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له ، فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة ، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه ، كما وصفه به في قوله : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] قال كثيرون من السلف : أي قام بجميع ما أمر به ووفى كل مقام من مقامات العبادة ، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير ، ولا كبير عن صغير . وقال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [ قال إني جاعلك للناس إماما ] ) الآية [ البقرة : 124 ] . وقال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين [ شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم . وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ] ) [ النحل : 120 - 122 ] .
وقال البخاري : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن عمرو بن ميمون قال : إن معاذا لما قدم اليمن صلى الصبح بهم : فقرأ : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم .
وقد ذكر ابن جرير في تفسيره ، عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب ، فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل - وقال بعضهم : من أهل مصر - ليمتار طعاما لأهله من قبله ، فلم يصب عنده حاجته . فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمل ، فقال : لو ملأت غرائري من هذا الرمل ، لئلا أغم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة ، وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون . ففعل ذلك ، فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقا ، فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر ، فوجدوا دقيقا فعجنوا وخبزوا منه فاستيقظ ، فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا ، فقالوا : من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك فقال : نعم ، هو من خليلي الله . فسماه الله بذلك خليلا .
وفي صحة هذا ووقوعه نظر ، وغايته أن يكون خبرا إسرائيليا لا يصدق ولا يكذب ، وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه ، عز وجل ، له ، لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها ; ولهذا ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها قال : " أما بعد ، أيها الناس ، فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله " .
وجاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " .
وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة ، حدثنا عبيد الله الحنفي ، حدثنا زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه ، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، وإذا بعضهم يقول : عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله ! وقال آخر : ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما ! وقال آخر : فعيسى روح الله وكلمته ! وقال آخر : آدم اصطفاه الله ! فخرج عليهم فسلم وقال : " قد سمعت كلامكم وتعجبكم أن إبراهيم خليل الله ، وهو كذلك ، وموسى كليمه ، وعيسى روحه وكلمته ، وآدم اصطفاه الله ، وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة ، فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر " .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها .
وقال قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : أتعجبون من أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
رواه الحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه . وكذا روي عن أنس بن مالك ، وغير واحد من الصحابة والتابعين ، والأئمة من السلف والخلف .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن عبدك القزويني ، حدثنا محمد - يعني ابن سعيد بن سابق - حدثنا عمرو - يعني ابن أبي قيس - عن عاصم ، عن أبي راشد ، عن عبيد بن عمير قال : كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس ، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه ، فلم يجد أحدا يضيفه ، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما ، فقال : يا عبد الله ، ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال : دخلتها بإذن ربها . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره أن الله قد اتخذه خليلا . قال : من هو ؟ فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت . قال : ذلك العبد أنت . قال : أنا ؟ قال : نعم . قال : فيم اتخذني الله خليلا ؟ قال : إنك تعطي الناس ولا تسألهم .
وحدثنا أبي ، حدثنا محمود بن خالد السلمي ، حدثنا الوليد ، عن إسحاق بن يسار قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل ، حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير في الهواء . وهكذا جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
أي: لا أحد أحسن من دين من جمع بين الإخلاص للمعبود، وهو إسلام الوجه لله الدال على استسلام القلب وتوجهه وإنابته وإخلاصه، وتوجه الوجه وسائر الأعضاء لله. { وَهُوَ ْ} مع هذا الإخلاص والاستسلام { مُحْسِنٌ ْ} أي: متبع لشريعة الله التي أرسل بها رسله، وأنزل كتبه، وجعلها طريقا لخواص خلقه وأتباعهم. { وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ْ} أي: دينه وشرعه { حَنِيفًا ْ} أي: مائلا عن الشرك إلى التوحيد، وعن التوجه للخلق إلى الإقبال على الخالق، { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ْ} والخُلة أعلى أنواع المحبة، وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وأما المحبة من الله فهي لعموم المؤمنين، وإنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه وفَّى بما أُمر به وقام بما ابْتُلي به، فجعله الله إماما للناس، واتخذه خليلا، ونوه بذكره في العالمين.
تفسير البغوي
( ومن أحسن دينا ) أحكم دينا ( ممن أسلم وجهه لله ) أي أخلص عمله لله ، وقيل : فوض أمره إلى الله ، ( وهو محسن ) أي : موحد ، ( واتبع ملة إبراهيم ) يعني : دين إبراهيم عليه السلام ، ( حنيفا ) أي : مسلما مخلصا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ومن دين إبراهيم الصلاة إلى الكعبة والطواف بها ومناسك الحج ، وإنما خص إبراهيم لأنه كان مقبولا عند الأمم أجمع ، وقيل : لأنه بعث على ملة إبراهيم وزيد له أشياء .
( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) صفيا ، والخلة : صفاء المودة ، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان إبراهيم عليه السلام أبا الضيفان ، وكان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس ، فأصاب الناس سنة فحشروا إلى باب إبراهيم عليه السلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر ، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي له بمصر ، فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم عليه السلام إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له ، فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة ، فرجع رسلإبراهيم عليه السلام ، فمروا ببطحاء فقالوا : [ إنا لو ] حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة ، فإنا نستحي أن نمر بهم وإبلنا فارغة ، فملئوا تلك الغرائر سهلة ثم أتوا إبراهيم فأعلموه وسارة نائمة ، فاهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه ، فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار ، فقالت : سبحان الله ما جاء الغلمان؟ قالوا : بلى ، قالت : فما جاءوا بشيء؟ قالوا : بلى ، فقامت إلى الغرائر ففتحتها فإذا هي أجود دقيق حواري يكون ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس فاستيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام ، فقال : يا سارة من أين هذا؟ قالت : من عند خليلك المصري ، فقال : هذا من عند خليلي الله ، قال : فيومئذ اتخذه الله خليلا . قال الزجاج : معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل ، والخلة : الصداقة ، فسمي خليلا لأن الله أحبه واصطفاه . وقيل : هو من الخلة وهي الحاجة ، سمي خليلا أي : فقيرا إلى الله [ لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله عز وجل ] والأول أصح لأن قوله ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) يقتضي الخلة من الجانبين ، ولا يتصور الحاجة من الجانبين .
ثنا أبو المظفر بن أحمد التيمي ، ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، ثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، ثنا أبو قلابة الرقاشي ، ثنا بشر بن عمر ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أبا بكر أخي وصاحبي ، ولقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " .
الإعراب:
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) مبتدأ وخبر ودينا تمييز (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) فعل ماض تعلق به الجار والمجرور بعده فاعله مستتر والجملة صلة الموصول من (وَهُوَ مُحْسِنٌ) مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب حال (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) فعل ماض ومفعوله والفاعل مستتر وإبراهيم مضاف إليه مجرور بالفتحة للعلمية والعجمة (حَنِيفاً) حال.
(وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا) فعل ماض ولفظ الجلالة فاعله وإبراهيم خليلا مفعولاه والجملة مستأنفة