الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الطريقة لهم من العلوم على عدد ما لجبريل من القوي المعبر عنها بالأجنحة التي بها يصعد و ينزل لا يتجاوز علم هؤلاء الخمسة مقام جبريل و هو الممد لهم من الغيب و معه يقفون يوم القيامة في الحشر [الأولياء الذين هم على قلب ميكائيل]و منهم رضي اللّٰه عنهم ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام لهم الخير المحض و الرحمة و الحنان و العطف و الغالب على هؤلاء الثلاثة البسط و التبسم و لين الجانب و الشفقة المفرطة و مشاهدة ما يوجب الشفقة و لا يزيدون و لا ينقصون في كل زمان و لهم من العلوم على قدر ما لميكائيل من القوي [الأولياء الذين هم على قلب إسرافيل]و «منهم رضي اللّٰه عنهم واحد على قلب إسرافيل عليه السلام في كل زمان و له الأمر و نقيضه جامع للطرفين ورد بذلك خبر مروي عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم» له علم إسرافيل و كان أبو يزيد البسطامي منهم ممن كان على قلب إسرافيل و له من الأنبياء عيسى عليه السلام فمن كان على قلب عيسى عليه السلام فهو على قلب إسرافيل و من كان على قلب إسرافيل قد لا يكون على قلب عيسى و كان بعض شيوخنا على قلب عيسى و كان من الأكابر (وصل) [رجال عالم الأنفاس]و أما رجال عالم الأنفاس رضي اللّٰه عنهم فإنا أذكرهم و هم على قلب داود عليه السلام و لا يزيدون و لا ينقصون في كل زمان و إنما نسبناهم إلى قلب داود و قد كانوا موجودين قبل ذلك بهذه الصفة فالمراد بذلك أنه ما تفرق فيهم من الأحوال و العلوم و المراتب اجتمع في داود و لقيت هؤلاء العالم كلهم و لازمتهم و انتفعت بهم و هم على مراتب لا يتعدونها بعدد مخصوص لا يزيد و لا ينقص و أنا ذاكرهم إن شاء اللّٰه تعالى [رجال الغيب العشرة]فمنهم رضي اللّٰه عنهم رجال الغيب و هم عشرة لا يزيدون و لا ينقصون هم أهل خشوع فلا يتكلمون إلا همسا لغلبة تجلى الرحمن عليهم دائما في أحوالهم قال تعالى ﴿وَ خَشَعَتِ الْأَصْوٰاتُ لِلرَّحْمٰنِ فَلاٰ تَسْمَعُ إِلاّٰ هَمْساً﴾ [ طه:108] و هؤلاء هم المستورون الذين لا يعرفون خبأهم الحق في أرضه و سمائه فلا يناجون سواه و لا يشهدون غيره ﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذٰا خٰاطَبَهُمُ الْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلاٰماً﴾ [الفرقان:63] دأبهم الحياء إذا سمعوا أحدا يرفع صوته في كلامه ترعد فرائصهم و يتعجبون و ذلك أنهم لغلبة الحال عليهم يتخيلون أن التجلي الذي أورث عندهم الخشوع و الحياء يراه كل أحد و رأوا أن اللّٰه قد أمر عباده أن يغضوا أصواتهم عند رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فقال ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَرْفَعُوا أَصْوٰاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لاٰ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمٰالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لاٰ تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:2] و إذا كنا نهينا و تحبط أعمالنا برفع أصواتنا على صوت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا تكلم و هو المبلغ عن اللّٰه فغض أصواتنا عند ما نسمع تلاوة القرآن آكد و اللّٰه يقول ﴿وَ إِذٰا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف:204] و هذا هو مقام رجال الغيب و حالهم الذي ذكرناه فيمتاز الحديث النبوي من القرآن بهذا القدر و يمتاز كلامنا من الحديث النبوي بهذا القدر و أما أهل الورع إذا اتفقت بينهم مناظرة في مسألة دينية فيذكر أحد الخصمين حديثا عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم خفض الخصم صوته عند سرد الحديث هذا هو الأدب عندهم إذا كانوا أهل حضور مع اللّٰه و طلبوا العلم لوجه اللّٰه فأما علماء زماننا اليوم فما عندهم خير و لا حياء لا من اللّٰه و لا من رسول اللّٰه إذا سمعوا الآية أو الحديث النبوي من الخصم لم يحسنوا الإصغاء إليه و لا أنصتوا و داخلوا الخصم في تلاوته أو حديثه و ذلك لجهلهم و قلة ورعهم عصمنا اللّٰه من أفعالهم و اعلم أن رجال الغيب في اصطلاح أهل اللّٰه يطلقونه و يريدون به هؤلاء الذين ذكرناهم و هي هذه الطبقة و قد يطلقونه و يريدون به من يحتجب عن الأبصار من الإنس و قد يطلقونه أيضا و يريدون به رجالا من الجن من صالحي مؤمنيهم و قد يطلقونه على القوم الذين لا يأخذون شيئا من العلوم و الرزق المحسوس من الحس و لكن يأخذونه من الغيب [الظاهرون بأمر اللّٰه عن أمر اللّٰه]و منهم رضي اللّٰه عنهم ثمانية عشر نفسا أيضا هم الظاهرون بأمر اللّٰه عن أمر اللّٰه لا يزيدون و لا ينقصون في كل زمان ظهورهم بالله قائمون بحقوق اللّٰه مثبتون الأسباب خرق العوائد عندهم عادة آيتهم ﴿قُلِ اللّٰهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ [الأنعام:91] و أيضا ﴿إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهٰاراً﴾ [نوح:8] كان منهم شيخنا أبو مدين رحمه اللّٰه كان يقول لأصحابه أظهروا للناس ما عندكم من الموافقة كما يظهر الناس بالمخالفة و أظهروا بما أعطاكم اللّٰه من نعمه الظاهرة يعني خرق العوائد و الباطنة يعني المعارف فإن اللّٰه يقول ﴿وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11] و «قال عليه السلام التحدث بالنعم شكر» و كان يقول بلسان أهل هذا المقام ﴿أَ غَيْرَ اللّٰهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ بَلْ إِيّٰاهُ تَدْعُونَ﴾ هم على مدارج الأنبياء و الرسل لا يعرفون إلا اللّٰه ظاهرا و باطنا و هذه الطبقة اختصت باسم الظهور لكونهم ظهروا في عالم الشهادة و من ظهر في عالم |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |