الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() التكليف فيما نص الشرع عليه لأن الحكم في ذلك له قال تعالى ﴿أَلْحَقْنٰا بِهِمْ(ذُرِّيَّتَهُمْ)﴾ ذرياتهم و قال ﴿وَ آتَيْنٰاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم:12] و قال في المهد ﴿آتٰانِيَ الْكِتٰابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبٰارَكاً أَيْنَ مٰا كُنْتُ﴾ في المهد و غيره ﴿وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلاٰةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي﴾ و من بره بها كونه برأها مما نسب إليها بشهادته و أتى في كل ما ادعاه ببنية الماضي ليعرف السامع بحصول ذلك كله عنده و هو صبي في المهد و قد ذكر أن اللّٰه تعالى أوصاه بالصلاة و الزكاة ما دام في الحياة و أنه آتاه الكتاب و الحكمة و لكن غاب عن أبصار الناس إدراك الكتاب الذي آتاه حتى ظهر في زمان آخر و أما الحكمة فظهر عينها في نفس نطقه بمثل هذه الكلمات و هو في المهد [الإنسان كلما كبر جسمه قصر عمره]و الإنسان صغير من حيث جسمه لعدم مرور الأزمان الكثيرة عليه في هذه الصورة و أصغر مدته زمان تكوينه ثم لا تزال مدته تكبر إلى حين موته فكلما كبر جسمه صغير عمره فلا ينفك من إضافة الكبر و الصغر إليه فزيادته نقصه و نقصه زيادته فانظر ما أعجب هذا التدبير الإلهي (وصل في فصل زكاة الغنم)الاتفاق على الزكاة فيها بلا خلاف و بالله التوفيق (الاعتبار في هذا الوصل)قال تعالى في نفس الإنسان ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا﴾ [الشمس:9] و قد تقدم الكلام عليها و أن اللّٰه أقام الرأس من الغنم مقام الإنسان الكامل فهو قيمته فانظر ما أكمل مرتبة الغنم حيث كان الواحد منها فداء نبي مكرم فقال ﴿وَ فَدَيْنٰاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات:107] فعظمه اللّٰه و ناب مناب هذا النبي المكرم و قام مقامه فوجبت الزكاة في الغنم كما أفلح من زكى نفسه شعر [ذبح القربان و فداء بنى الإنسان]فداء نبي ذبح ذبح لقربان *** و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان و عظمه اللّٰه العظيم عناية *** بنا أو به لم أدر من أي ميزان و لا شك أن البدن أعظم قيمة *** و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان فيا ليت شعري كيف ناب بذاته *** شخيص كبيش عن خليفة رحمان (وصل في فصل زكاة البقر)و الاتفاق أيضا من علماء الشريعة على الزكاة فيها (الاعتبار في ذلك)يقول اللّٰه سبحانه في نفس الإنسان ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا﴾ [الشمس:9] يعني النفس و لما كانت المناسبة بين البقر و الإنسان قوية عظيمة السلطان لذلك حي بها الميت لما ضرب ببعض البقر فجاء بالضرب إشارة إلى الصفة القهرية لما شمخت نفس الإنسان أن تكون سبب حياته بقرة و لا سيما و قد ذبحت و زالت حياتها فحيي بحياتها هذا الإنسان المضروب ببعضها و كان قد أبى لما عرضت عليه فضرب ببعضها فحيي بصفة قهرية للأنفة التي جبل اللّٰه الإنسان عليها [الاشتراك بين الإنسان و الحيوان]و فعل اللّٰه ذلك ليعرفه أن الاشتراك بينه و بين الحيوان في الحيوانية محقق بالحد و الحقيقة و لهذا هو كل حيوان جسم متغذ حساس فالإنسان و غيره من الحيوان و انفصل كل نوع من الحيوان عن غيره بفصله المقوم لذاته الذي به سمي هذا إنسانا و هذا بقرا و هذا غنما و غير ذلك من الأنواع و ما أبى الإنسان إلا من حيث فصله المقوم و تخيل أن حيوانيته مثل فصله المقوم فأعلمه اللّٰه بما وقع أن الحيوانية في الحيوان كله حقيقة واحدة فأفاده ما لم يكن عنده و كذلك ذلك الميت ما حيي إلا بحياة حيوانية لا بحياة إنسانية من حيث إنه ناطق و كان كلام ذلك الميت مثل كلام البقرة في بنى إسرائيل حيث قالت ما خلقت لهذا إنما خلقت للحرث و «لما قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم هذا الخبر الذي جرى في بنى إسرائيل قال الصحابة تعجبا لبقرة تكلم فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم آمنت بهذا» و ما رأوا أن اللّٰه قد قال ما هو أعجب من هذا أن الجلود قالت ﴿أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت:21] و هنا علم غامض لمن كشف اللّٰه عن بصيرته [البرزخية في الإنسان و في البقر]فوجبت الزكاة في البقر كما ظهرت في النفس ثم مناسبة البرزخ بين البقر و الإنسان فإن البقر بين الإبل و الغنم في الحيوان المزكى و الإنسان بين الملك و الحيوان ثم البقرة التي ظهر الأحياء بموتها و الضرب بها برزخية أيضا في سنها و لونها فهي ﴿لاٰ فٰارِضٌ وَ لاٰ بِكْرٌ عَوٰانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ﴾ [البقرة:68] فهذا مقام برزخي فهي لا بيضاء و لا سوداء بل صفراء و الصفرة لون برزخي بين البياض و السواد فتحقق ما أومأنا إليه في هذا الاعتبار فإنه يحتوي على معان جليلة و أسرار لا يعرفها إلا أهل النظر و الإستبصار |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |