﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا﴾ [الشمس:9] يعني النفس و لما كانت المناسبة بين البقر و الإنسان قوية عظيمة السلطان لذلك حي بها الميت لما ضرب ببعض البقر فجاء بالضرب إشارة إلى الصفة القهرية لما شمخت نفس الإنسان أن تكون سبب حياته بقرة و لا سيما و قد ذبحت و زالت حياتها فحيي بحياتها هذا الإنسان المضروب ببعضها و كان قد أبى لما عرضت عليه فضرب ببعضها فحيي بصفة قهرية للأنفة التي جبل اللّٰه الإنسان عليها
[الاشتراك بين الإنسان و الحيوان]
و فعل اللّٰه ذلك ليعرفه أن الاشتراك بينه و بين الحيوان في الحيوانية محقق بالحد و الحقيقة و لهذا هو كل حيوان جسم متغذ حساس فالإنسان و غيره من الحيوان و انفصل كل نوع من الحيوان عن غيره بفصله المقوم لذاته الذي به سمي هذا إنسانا و هذا بقرا و هذا غنما و غير ذلك من الأنواع و ما أبى الإنسان إلا من حيث فصله المقوم و تخيل أن حيوانيته مثل فصله المقوم فأعلمه اللّٰه بما وقع أن الحيوانية في الحيوان كله حقيقة واحدة فأفاده ما لم يكن عنده و كذلك ذلك الميت ما حيي إلا بحياة حيوانية لا بحياة إنسانية من حيث إنه ناطق و كان كلام ذلك الميت مثل كلام البقرة في بنى إسرائيل حيث قالت ما خلقت لهذا إنما خلقت للحرث و «لما قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم هذا الخبر الذي جرى في بنى إسرائيل قال الصحابة تعجبا لبقرة تكلم فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم آمنت بهذا» و ما رأوا أن اللّٰه قد قال ما هو أعجب من هذا أن الجلود قالت ﴿أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت:21] و هنا علم غامض لمن كشف اللّٰه عن بصيرته
[البرزخية في الإنسان و في البقر]
فوجبت الزكاة في البقر كما ظهرت في النفس ثم مناسبة البرزخ بين البقر و الإنسان فإن البقر بين الإبل و الغنم في الحيوان المزكى و الإنسان بين الملك و الحيوان ثم البقرة التي ظهر الأحياء بموتها و الضرب بها برزخية أيضا في سنها و لونها فهي ﴿لاٰ فٰارِضٌ وَ لاٰ بِكْرٌ عَوٰانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ﴾ [البقرة:68] فهذا مقام برزخي فهي لا بيضاء و لا سوداء بل صفراء و الصفرة لون برزخي بين البياض و السواد فتحقق ما أومأنا إليه في هذا الاعتبار فإنه يحتوي على معان جليلة و أسرار لا يعرفها إلا أهل النظر و الإستبصار
(وصل في فضل الحبوب و التمر)
فقد عرفت أيضا ما تجب الزكاة فيه من ذلك بالاتفاق
(الاعتبار في ذلك)
النفس النباتية و هي التي تنمي بالغذاء فزكاتها في الإنسان بالصوم و لكن له شرط في طريق اللّٰه و هو أن الصائم إنما يمسك عن الأكل بالنهار فليأخذ ما كان يستحق أن يأكل بالنهار و يتصدق به ليخرج بذلك من البخل فإذا لم يفعل ذلك عندنا و استوفى في عشائه ما فاته بالنهار فما أمسك و بهذا ينفصل صوم خواص أهل اللّٰه عن صوم العامة و ما تسحر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إلا رحمة بالعامة حتى يجدوا ما يتأسوا به فإن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يقول من كان مواصلا فليواصل حتى السحر مع أنه رغب في تعجيل الفطر و تأخير السحور قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية