الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() في حق ذاته يستحيل فلا مناسبة بين اللّٰه و بين خلقه فإنه من ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] كيف يصح أن يشبه شيئا أو يشبهه شيء و هذا بخلاف اللسان الأول فإن الإضافة بالعبودية كانت إلى اللّٰه لا إلى الهوية و هو أن ينظر فيه من حيث ما يطلبه الممكن و يليق و هو دون ما تشهد به ابن مسعود (التشهد بلسان الجلال)أما التشهد بلسان الجلال فزاد على ما احتوى عليه التشهدان أن نعت التحيات بالمباركات أي التحيات التي يكون معها البركات و أسقط الزاكيات و كذلك أسقطها ابن مسعود فإنهما راعيا الاشتراك في الزيادة و راعى عمر ما في الزكاة من التقديس مع وجود الزيادة التي تشترك فيها مع البركة فاكتفى بالزاكيات لذلك و أنكر الزاكيات في التشهد جماعة من علماء الرسوم ممن لا علم له بعلوم الأذواق و مواقع اختلاف خطاب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و لم يأت في هذا اللسان في نعت التحيات بحرف عطف و قال فيه سلام بالتنكير و هو تشهد ابن عباس و ذلك أنه راعى خصوص حال كل مصل فإن أسماء اللّٰه مثل الممكنات لا نهاية لها و كل ممكن له خصوص وصف فله من اللّٰه اسم خاص به من ذلك الاسم خص بالوصف الذي يتميز به عن كل ممكن و هذا من أشرف علوم أهل اللّٰه و هو مذكور في «قوله في دعائه صلى اللّٰه عليه و سلم اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك» و أما أسماء الإحصاء فتسعة و تسعون مائة إلا واحد و لم يصح في تعيينها على الجملة نص و لا روى عن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم أنه قال هي هذه فما جاء ابن عباس بتنكير السلام إلا ليأخذ كل مصل من الاسم الذي يلقى إليه و يناجي الحق فيه و هو المسلم على نبي اللّٰه منا صلى اللّٰه عليه و سلم و علينا و على عباد اللّٰه الصالحين و كذلك اختص بعدم تكرار لفظ الشهادة فتركها فلم يشهد له بعبودية و لا رسالة بشهادة مستأنفة بل شهادته بالتوحيد أغنت و اكتفى بالواو لما فيها من قوة الاشتراك و ذلك مثل قوله تعالى ﴿شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ الْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ﴾ [آل عمران:18] و لم يعطف بذكر الشهادة تشريفا لهم و إن كان قد فصلهم عن شهادته لنفسه بذكره لا إله إلا هو و أسقط هنا لفظ العبودية لتضمن الرسالة إياها (فصل بل وصل في الصلاة على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في التشهد في الصلاة)[أقوال الفقهاء في الصلاة على النبي في التشهد و التعوذ]اختلفوا في الصلاة على النبي صلى اللّٰه عليه و سلم في التشهد فمن قائل إنها فرض و به أقول و من قائل إنها ليست بفرض و كذلك اختلفوا في التعوذ من الأربع المأمور بها في التشهد و هو أن يتعوذ من عذاب القبر و من عذاب جهنم و من فتنة المسيح الدجال و من فتنة المحيا و الممات فمن قائل بوجوبها و من قائل بمنع وجوبها و بوجوبها أقول و لو لم يأمر بالتعوذ منها لكان الاقتداء برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أولى إذ كان التعوذ منها من فعله لقوله تعالى ﴿لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21] و «قوله صلى اللّٰه عليه و سلم صلوا كما رأيتمونى أصلي» فكيف و قد انضاف إلى فعله أمره أمته بذلك [الصلاة و السلام على خير الأنام]فالصلاة على النبي في الصلاة و غيرها دعاء من العبد المصلي لمحمد صلى اللّٰه عليه و سلم بظهر الغيب و «قد ورد في الصحيح عنه صلى اللّٰه عليه و سلم أنه من دعا بظهر الغيب قال له الملك و لك بمثله و في رواية و لك بمثليه» فشرع ذلك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و أمر بها اللّٰه في قوله ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56] ليعود هذا الخير من الملك على المصلي عليه من أمته صلى اللّٰه عليه و سلم و أمر بالسلام عليه بقوله ﴿وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56] فأكده بالمصدر فقد يحتمل أن يريد بذلك السلام المذكور في التشهد و يحتمل أن يريد به السلام من الصلاة أي إذا فرغتم من الصلاة على النبي صلى اللّٰه عليه و سلم فسلموا من صلاتكم تسليما و بهذا الاحتمال تعلق من رأى وجوبها في الصلاة [التعوذ من الفتن الأربعة]و أما الاستعاذة من عذاب القبر فإن القبر أول منزل من منازل الآخرة فيسأل اللّٰه أن لا يتلقاه في أول قدم يضعه في الآخرة في قبره عذاب ربه و أما الاستعاذة من عذاب جهنم فإنها الاستعاذة من البعد فإن جهنم معناه البعيدة القعر و المصلي في حال القربة و هو قريب من الانفصال من هذه الحالة المقربة فاستعاذ بالله أن لا يكون انفصاله إلى حال تبعده من اللّٰه بل إلى قرب من حالة دينية أخرى و أما الاستعاذة من فتنة المسيح الدجال فلما يظهره في دعواه الألوهية و ما يخيله من الأمور الخارقة للعادة من إحياء الموتى و غير ذلك مما ثبتت الروايات بنقله و جعل ذلك آيات له على صدق دعواه و هي مسألة في غاية الإشكال لأنها تقدح فيما قرره أهل الكلام في العلم بالنبوات فيبطل بهذه الفتنة كل دليل قرروه و أي فتنة أعظم من فتنة تقدح في الدليل الذي |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |