الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ﴿اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ﴾ [الحجر:96] فقالوا ﴿مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ﴾ [الزمر:3] و قالوا ﴿أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلٰهاً وٰاحِداً إِنَّ هٰذٰا لَشَيْءٌ عُجٰابٌ﴾ [ص:5] و الطائفة الثالثة المعطلة و هم الذين نفوا الإله جملة واحدة فلم يثبتوا إلها للعالم و لا من العالم و الطائفة الرابعة المنافقون و هم الذين أظهروا الإسلام من إحدى هؤلاء الطوائف الثلاثة للقهر الذي حكم عليهم فخافوا على دمائهم و أموالهم و ذراريهم و هم في نفوسهم على ما هم عليه من اعتقاد هؤلاء الطوائف الثلاث [منافذ إبليس إلى المجرمين]فهؤلاء أربعة أصناف هم الذين هم أهل النار لا يخرجون منها من جن و إنس و إنما كانوا أربعة لأن اللّٰه تعالى ذكر عن إبليس أنه يأتينا من بين أيدينا و من خلفنا و عن أيماننا و عن شمائلنا : فيأتي للمشرك من بين يديه و يأتي للمعطل من خلفه و يأتي إلى المتكبر من عن يمينه و يأتي إلى المنافق من عن شماله و هو الجانب الأضعف فإنه أضعف الطوائف كما إن الشمال أضعف من اليمين و جعل المتكبر من اليمين لأنه محل القوة فتكبر لقوته التي أحسها من نفسه و جاء للمشرك من بين يديه فإنه رأى إذ كان بين يديه جهة عينية فأثبت وجود اللّٰه و لم يقدر على إنكاره فجعله إبليس يشرك مع اللّٰه في ألوهيته و جاء للمعطل من خلفه فإن الخلف ما هو محل النظر فقال له ما ثم شيء أي ما في الوجود إله [منازل النار لأهل النار]ثم قال اللّٰه تعالى في جهنم ﴿لَهٰا سَبْعَةُ أَبْوٰابٍ لِكُلِّ بٰابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ [الحجر:44] فهذه أربع مراتب لهم من كل باب من أبواب جهنم جزء مقسوم و هي منازل عذابهم فإذا ضربت الأربعة التي هي المراتب التي دخل عليهم منها إبليس في السبعة الأبواب كان الخارج ثمانية و عشرين منزلا و كذلك جعل اللّٰه المنازل التي قدرها اللّٰه للإنسان المفرد و هو القمر و غيره من السيارة الخنس الكنس تسير فيها و تنزلها لإيجاد الكائنات فيكون عند هذا السير ما يتكون من الأفعال في العالم العنصري فإن هذه السيارة قد انحصرت في أربع طبائع مضروبة في ذواتها و هن سبعة فخرج منها منازلها الثمانية و العشرون ذلك بتقدير العزيز العليم كما قال ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء:33] و كان مما ظهر عن هذا التسيير الإلهي في هذه الثمانية و العشرين وجود ثمانية و عشرين حرفا ألف اللّٰه الكلمات منها و ظهر الكفر في العالم و الايمان بأن تكلم كل شخص بما في نفسه من إيمان و كفر و كذب و صدق لتقوم الحجة لله على عباده ظاهرا بما تلفظوا به و وكل بهم ملائكة يكتبون ما تلفظوا به قال تعالى ﴿كِرٰاماً كٰاتِبِينَ﴾ [الإنفطار:11] و قال ﴿مٰا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّٰ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18] فجعل منازل النار ثمانية و عشرين منزلا و جهنم كلها مائة درك من أعلاها إلى أسفلها نظائر درج الجنة التي ينزل فيها السعداء و في كل درك من هذه الدركات ثمانية و عشرون منزلا فإذا ضربت ثمانية و عشرين في مائة كان الخارج من ذلك ألفين و ثمانمائة منزل فهي الثمانية و العشرون مائة فما برحت الثمانية و العشرون تصحبنا و هذه منازل النار [ما به الاشتراك و الامتياز بين أهل الجنة و أهل النار]فلكل طائفة من الأربع سبعمائة نوع من العذاب و هم أربع طوائف فالمجموع ثمان و عشرون مائة نوع من العذاب كما لأهل الجنة سواء من الثواب يبين ذلك في صدقاتهم ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنٰابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾ فالمجموع سبعمائة و هم أربعة طوائف رسل و أنبياء و أولياء و مؤمنون فلكل متصدق من هؤلاء الأربعة سبعمائة ضعف من النعيم في عملهم فانظر ما أعجب القرآن في بيانه الشافي و موازنته في خلقه في الدارين الجنة و النار لإقامة العدل على السواء في باب جزاء النعيم و جزاء العذاب فبهذا القدر يقع الاشتراك بين أهل الجنة و أهل النار للتساوي في عدد الدرج و الدرك و يقع الامتياز بأمر آخر و ذلك أن النار امتازت عن الجنة بأنه ليس في النار دركات اختصاص إلهي و لا عذاب اختصاص إلهي من اللّٰه فإن اللّٰه ما عرفنا قط إنه اختص بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشٰاءُ﴾ [البقرة:105] و بفضله فالجنة في نعيمها مخالف لميزان عذاب أهل النار فأهل النار معذبون بأعمالهم لا غير و أهل الجنة ينعمون بأعمالهم و بغير أعمالهم في جنات الاختصاص [جنات أهل السعادة]فلأهل السعادة ثلاث جنات جنة أعمال و جنة اختصاص و جنة ميراث و ذلك أنه ما من شخص من الجن و الإنس إلا و له في الجنة موضع و في النار موضع و ذلك لإمكانه الأصلي فإنه قبل كونه يمكن أن يكون له البقاء في العدم أو يوجد فمن هذه الحقيقة له قبول النعيم و قبول العذاب فالجنة تطلب الجميع و الجميع يطلبها و النار تطلب الجميع و الجميع يطلبها فإن اللّٰه يقول ﴿وَ لَوْ شٰاءَ لَهَدٰاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل:9] أي أنتم قابلون لذلك و لكن حقت الكلمة و سبق العلم و نفذت المشيئة فلا راد لأمره و ﴿لاٰ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد:41] فينزل أهل الجنة في الجنة على أعمالهم و لهم جنات الميراث و هي التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة و لهم جنات الاختصاص |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |