الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() «عليه و سلم نور إني أراه» فجعل الصبر الذي هو الصوم و الحج ضياء أي يكشف به إذا كنت متلبسا به ما تعطيه حقيقة الضوء من إدراك الأشياء [الصوم صفة صمدانية:فهو لله و هو الذي يجزى به]«قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم عن ربه تعالى إنه قال كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به» و «قال صلى اللّٰه عليه و سلم لرجل عليك بالصوم فإنه لا مثل له» و قال تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فالصوم صفة صمدانية و هو التنزه عن التغذي و حقيقة المخلوق التغذي فلما أراد العبد أن يتصف مما ليس من حقيقته أن يتصف به و كان اتصافه به شرعا لقوله تعالى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:183] قال اللّٰه له الصوم لي لا لك أي أنا هو الذي لا ينبغي لي أن أطعم و أشرب و إذا كان بهذه المثابة و كان سبب دخولك فيه كوني شرعته لك فأنا أجزي به كأنه يقول و أنا جزاؤه لأن صفة التنزه عن الطعام و الشراب تطلبني و قد تلبست بها و ما هي حقيقتك و ما هي لك و أنت متصف بها في حال صومك فهي تدخلك علي فإن الصبر حبس النفس و قد حبستها بأمري عما تعطيه حقيقتها من الطعام و الشراب فلهذا «قال للصائم فرحتان فرحة عند فطره و تلك الفرحة لروحه الحيواني لا غير و فرحة عند لقاء ربه» و تلك الفرحة لنفسه الناطقة أي لطيفته الربانية فأورثه الصوم لقاء اللّٰه و هو المشاهدة [الصوم مشاهدة و الصلاة مناجاة]فكان الصوم أتم من الصلاة لأنه أنتج لقاء اللّٰه و مشاهدته و الصلاة مناجاة لا مشاهدة و الحجاب يصحبها فإن اللّٰه يقول ﴿وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ﴾ [الشورى:51] و كذلك كلم اللّٰه موسى و لذلك طلب الرؤية فقرن الكلام بالحجاب و المناجاة مكالمة «يقول اللّٰه قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين نصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل» يقول العبد ﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] يقول اللّٰه حمدني عبدي و الصوم لا ينقسم فهو لله لا للعبد أجره من حيث ما هو لله و هنا سر شريف فقلنا إن المشاهدة و المناجاة لا يجتمعان فإن المشاهدة للبهت و الكلام للفهم فأنت في حال الكلام مع ما يتكلم به لا مع المتكلم أي شيء كان فافهم القرآن تفهم الفرقان فبهذا قد حصل لك الفرق بين الصلاة و الصوم و الصدقة و أما قولنا إن اللّٰه جزاء الصائم للقائه ربه في الفرح به الذي قرنه به فسر ذلك في قوله في سورة يوسف ﴿مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزٰاؤُهُ﴾ [يوسف:75] [الحج و ما فيه من ألوان الصبر]و أما الحج فلما فيه من الصبر و هو حبس الإنسان نفسه عن النكاح و لبس المخيط و الصفرة كما حبس الإنسان نفسه عن الطعام في الصوم و الشراب و النكاح و لما لم يعم الحج مسك الإنسان نفسه عن الطعام و الشراب إلا عن النكاح و الغيبة لذلك تأخر في القواعد التي بنى الإسلام عليها فكان حكمه حكم للصائم و المصلي حال صومه و صلاته في التنزه عن مباشرة السكن و ذلك التنزه يقول اللّٰه هو لي لا لك حيث كان و لما كان النكاح سببا لظهور المولدات من ذلك أعطاه اللّٰه إذ تركه من أجله بدله كن في الآخرة و لأوليائه في الدنيا بسم اللّٰه لمن أراد اللّٰه أن يظهر على يده أثرا فيقول العبد في الآخرة للشيء يريده ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117] ذلك الشيء و ليس قوله إلا من كونه حاجا أو صائما و لهذا شرك بين الحج و الصوم في لفظة الصبر فقال و الصبر ضياء هذا و إن لم يكن فيه صوم واجب فإن ترك الطعام فيه لشغله بالدعاء في ذلك اليوم من الظهر و هو السنة في ذلك اليوم في ذلك الموضع للحاج خاصة فالمشتغل فيه لا شك أن الجوع جوع العادة يلزمه [الموتات الأربعة عند الصوفية]و الطائفة تسمى الجوع في الموتات الأربعة الموت الأبيض و هو مناسب للضياء فإن لأهل اللّٰه أربع موتات موت أبيض و هو الجوع و موت أحمر و هو مخالفة النفس في هواها و موت أخضر و هو طرح الرقاع في اللباس بعضها على بعض و موت أسود و هو تحمل أذى الخلق بل مطلق الأذى و إنما سميت لبس المرقعات موتا أخضر لأن حالته حالة الأرض في اختلاف النبات فيه و الأزهار فأشبه اختلاف الرقاع و أما الموت الأسود لاحتمال الأذى فإن في ذلك غم النفس و الغم ظلمة النفس و الظلمة تشبه في الألوان السواد و الموت الأحمر مخالفة النفس شبيه بحمرة الدم فإنه من خالف هواه فقد ذبح نفسه و سيأتي إن شاء اللّٰه في هذا الكتاب أبواب مفردات في شهادة التوحيد و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و هي قواعد الإسلام التي بنى عليها و من أراد أن يعرف من أسرار الصلاة شيئا و ما تنتج كل صلاة من المعارف و ما لها من الأرواح النبوية و الحركات الفلكية فلينظر في كتابنا المسمى بالتنزلات الموصلية و هذا القدر في هذا الباب كاف في المقصود و لنذكر بعض أسرار من المعارف كما ترجمنا عليه بطريق الإيجاز (فصل)بل وصل سر إلهي [سر القدر المتحكم في البشر]قالت الملائكة ﴿وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات:164] و هكذا كل موجود ما عدا الثقلين و إن كان |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |