الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
يعضدون فإذا مررت فنادهم إن كنت مناديا و مر بعسكرهم و انظر إلى تقارب منازلهم و اسأل غنيهم ما بقي من غناه و اسأل فقيرهم ما بقي من فقره و أسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون و عن الأعين التي كانوا بها ينظرون و أسألهم عن الجلود الرقيقة و الوجوه الحسنة و الأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان محت الألوان و أكلت اللحمان و عفرت الوجوه و محت المحاسن و كسرت الفقار و أبانت الأعضاء و مزقت الأشلاء و أين حجابهم و قبابهم و أين خدمهم و عبيدهم و جمعهم و مكنونهم و اللّٰه ما فرشوا فراشا و لا وضعوا هناك متكأ و لا غرسوا لهم شجرا و لا أنزلوهم من اللحد قرارا أ ليسوا في منازل الخلوات و الفلوات أ ليس الليل و النهار عليهم سواء أ ليس هم في مدلهمة ظلماء قد حيل بينهم و بين العمل و فارقوا الأحبة فكم من ناعم و ناعمة أصبحوا و وجوههم بالية و أجساد لهم من أعناقهم نائية و أوصالهم متمزقة و قد سألت الحدقات على الوجنات و امتلأت الأفواه دما و صديدا و دبت دواب الأرض في أجسادهم ففرقت أعضاءهم ثم لم يلبثوا و اللّٰه إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما قد فارقوا الحدائق و صاروا بعد السعة إلى المضايق قد تزوجت نساؤهم و ترددت في الطرق أبناؤهم و توزعت الورثة ديارهم و تراثهم فمنهم و اللّٰه الموسع له في قبره الغض الناضر فيه المتنعم بلذته يا ساكن القبر غدا ما الذي غرك من الدنيا هل تعلم أنك تبقي أو تبقي لك أين دارك الفيحاء و نهرك المطرد و أين ثمرتك الحاضرة ينعها و أين رقاق ثيابك و أين طيبك و أين بخورك و أين كسوتك لصيفك و شتائك أ ما رأيته قد نزل به الأمر فما يدفع عن نفسه دخلا و هو يرشح عرقا و يتلمظ عطشا يتقلب في سكرات الموت و غمراته جاء الأمر من السماء و جاء غالب القدر و القضاء جاء من الأمر الأجل ما لا يمتنع منه هيهات يا مغمض الوالد و الأخ و الولد و غاسله يا مكفن الميت و حامله يا مخليه في القبر و راجعا عنه ليت شعري كيف كنت على خشونة الثرى ليت شعري بأي خديك تبدي البلى و أي عينيك إذن سألا يا مجاور الهلكات صرت في محل الموتى ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا و ما يأتيني به من رسالة ربي ثم تمثل تسر بما يفنى و تشغل بالمنى *** كما اغتر باللذات في النوم حالم نهارك يا مغرور سهو و غفلة *** و ليلك نوم و الردي لك لازم و تعمل شيئا سوف تكره غيه *** كذلك في الدنيا تعيش البهائم ثم انصرف فما بقي بعد ذلك إلا جمعة و مات رضي اللّٰه عنه و من نظمنا في ذلك شاب فوداي و شب الأمل *** و مضى العمر و جاء الأجل عسكر الموتى لنا منتظر *** فإذا صرنا إليهم رحلوا ليت شعري ليت شعري هل دروا *** إنني بعدهم مشتغل في فنون اللهو أفنى طربا *** غافل عماله انتقل و لنا في هذا المعنى أيضا ضمت لنا أرامنا الآراما *** فكان ذاك العيش كان مناما يا واقفين على القبور تعجبوا *** من قائمين كيف صاروا نياما تحت التراب موسدين أكفهم *** قد عاينوا الحسنات و الإجراما لا يوقظون فيخبرون بما رأوا *** لا بد من يوم تكون قياما و رأيت على قبر أبياتا و هي على لسان صاحبه أيها الناس كان لي أمل *** قصر بي عن بلوغه الأجل فليتق اللّٰه ربه رجل *** أمكنه في حياته العمل ما أنا وحدي نقلت حيث تروا *** كل إلى مثله سينتقل و رأيت أيضا مكتوبا على قبر |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





