الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() تعرف مصارفها فإذا علمت مصارفها علمت مكارمها و سفسافها و هو علم خفي شريف فلا يفوتنك علم مصارف الأخلاق فإن ذلك يختلف باختلاف الوجوه (وصية)و عليك بالهجرة و لا نقم بين أظهر الكفار فإن في ذلك إهانة دين الإسلام و إعلاء كلمة الكفر على كلمة اللّٰه فإن اللّٰه ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة اللّٰه هي العليا و ﴿كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلىٰ﴾ [التوبة:40] و إياك و الإقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت و اعلم أن المقيم بين أظهر الكفار مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم لا حظ له في الإسلام فإن النبي ﷺ قد تبرأ منه و لا يتبرأ رسول اللّٰه ﷺ من مسلم و «قد ثبت عنه أنه ﷺ قال أنا بريء من مسلم يقيم بين أظهر المشركين» فما اعتبر له كلمة الإسلام و قال اللّٰه تعالى فيمن مات و هو بين أظهر المشركين ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ قال اللّٰه لهم ﴿أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء:97] و لهذا حجرنا في هذا الزمان على الناس زيارة بيت المقدس و الإقامة فيه لكونه بيد الكفار فالولاية لهم و التحكم في المسلمين و المسلمون معهم على أسوإ حال نعوذ بالله من تحكم الأهواء فالزائرون اليوم البيت المقدس و المقيمون فيه من المسلمين هم من الذين قال اللّٰه فيهم ﴿ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف:104] و كذلك فلتهاجر عن كل خلق مذموم شرعا قد ذمه الحق في كتابه أو على لسان رسوله ص (وصية)و عليك باستعمال العلم في جميع حركاتك و سكناتك فإن السخي الكامل السخاء من يسخي بنفسه على العلم فكان بحكم ما شرع اللّٰه له فعلم و عمل و علم من لم يعلم و قد أثنى رسول اللّٰه ﷺ على من قبل العلم و عمل به و علمه و ذم نقيض ذلك «فثبت عنه ﷺ أنه قال مثل ما بعثني اللّٰه به من الهدى و العلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلاء و العشب الكثير و كان منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللّٰه به الناس فشربوا منها و سقوا و زرعوا و أصاب منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء و لا تنبت كلا و كذلك من فقه في دين اللّٰه و نفعه اللّٰه بما بعثني به فعلم و عمل و علم و مثل من لم يرفع بذلك رأسا مثل القيعان التي لم تمسك ماء و لا أنبتت» كلا فكن يا أخي ممن علم و عمل و علم و لا تكن ممن علم و ترك العمل فتكون كالسراج أو كالشمعة تضيء للناس و تحرق نفسك فإنك إذا عملت بما علمت جعل اللّٰه لك فرقانا و نورا و ورثك ذلك العمل علما آخر لم تكن تعلمه من العلم بالله و بما لك فيه منفعة عند اللّٰه في آخرتك فاجهد أن تكون من العلماء العاملين المرشدين (وصية)و عليك بالتودد لعباد اللّٰه من المؤمنين بإفشاء السلام و إطعام الطعام و السعي في قضاء حوائجهم [أن المؤمنين أجمعهم جسد واحد]و اعلم أن المؤمنين أجمعهم جسد واحد كإنسان واحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى كذلك المؤمن إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة فكأنه هو الذي أصيب بها فيتألم لتالمه و متى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبتت أخوة الايمان بينه و بينهم فإن اللّٰه قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان و بهذا وقع المثل من النبي ﷺ في الحديث الثابت و هو «قوله ﷺ مثل المؤمنين في توددهم و تعاطفهم و تراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سار الجسد بالحمى و السهر» [من أسمائه الحسنى المؤمن]و اعلم أن المؤمن كثير بأخيه و أن المؤمن لما كان من أسماء اللّٰه مع ما ينضاف إلى ذلك من خلقه على الصورة ثبت النسب و المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه و لا يخذله فمن كان مؤمنا بالله من حيث ما هو اللّٰه مؤمن فإنه يصدقه في فعله و قوله و حاله و هذه هي العصمة فإن اللّٰه من كونه مؤمنا يصدقه في ذلك و لا يصدق اللّٰه إلا الصادق فإن تصديق الكاذب على اللّٰه محال فإن الكذب عليه محال و تصديق الكاذب كذب بلا شك فمن ثبت إيمانه بالله من كون اللّٰه مؤمنا فإن هذا العبد لا شك أنه من الصادقين في جميع أموره مع اللّٰه لأنه مؤمن بالله مؤمن به أيضا فتنبه لما دللتك عليه و وصيتك به في الايمان بالله من كونه مؤمنا تنتفع فإني قد أريتك الطريق الموصل إلى نيل ذلك و اعتصم بالله «و من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم» فإن اللّٰه ﴿عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام:39] و ليس إلا ما شرعه لعباده (وصية)لا تكترث لما يصيبك اللّٰه به من الرزايا في مالك و من يعز عليك من أهلك مما يسمى في العرف رزية و مصابا و قل ﴿إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ﴾ [البقرة:156] عند نزولها بك و قل فيها كما قال |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |