الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() إذا أحببت محبوبا *** له النخوة و العجب فلا تعجب فلا تحجب *** فقلبي للهوى قلب و من هذه الحضرة ظهر الغني في العالم الذي يحوي على الفقر و الخوف مع ما فيه من الزهو و الفخر أما ما فيه من الفقر فلطلب الزيادة و أما ما فيه من الخوف فهو الفزع من تلف ما بيده و الحوطة عليه و أما ما فيه من الزهو و الفخر فهو ما يشاهده من الطالبين رفده و سعى الناس في تحصيل مثل ما عنده فمن هو بين غنى و فقر كيف يفتخر فالفقر لا يتركه يفرح و الغني لا يتركه يحزن فقد تعرى بهذين الحكمين من هاتين الصفتين [أغنى الأغنياء]فأغنى الأغنياء من استغنى بالله عن الأغنياء بالله و لو لم يكن عنده قوت يومه مع أنه يحزن من جهة من كلفه اللّٰه النظر في تحصيل ما يقوم بهم و يقوتهم من أهله و ما يهتم بذلك إلا متشرع أديب عانق الأدب و عرف قدر ما شرع له من ذلك فإن طريق الأدباء طريق خفية لا يشعر بها إلا الراسخون في العلم المحققون بحقائق الفهم عن اللّٰه فكما إن اللّٰه ليس بغافل عما يحتاج إليه عباده كذلك أهل اللّٰه لا يغفلون عما قال لهم الحق احضروا معه و لا تغفلوا عنه فترى الكامل حريصا على طلب مئونة أهله فيتخيل المحجوب أن ذلك الحرص منه لضعف يقينه و كذلك في ادخاره و ليس ذلك منه إلا ليوفي الأدب حقه مع اللّٰه فيما حد له من الوقوف عنده فالعالم من لا يطفي نور علمه نور ورعه و لا يحول بينه و بين أدبه فمن تعدى ﴿حُدُودَ اللّٰهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق:1] و من ظلم نفسه كان لغيره أظلم أ لا ترى إلى ما في هذه الحضرة من العجب أن المشاهد غنى الحق الذي هو صفته في غنى العالم فلا يشهد إلا حقا و لا يكون القبول و الإقبال إلا على صفة حق كيف يعتب على ذلك من هو بهذه المثابة فقيل له أما من استغنى فأنت له تصدى و قد علم تعالى لما تصدى و لمن تصدى فإن اللّٰه ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:29] فما تصدى لا بحق *** و لا تصدى إلا لحق و ما أتاه لعتاب لا *** لكونه ظاهرا بخلق فمن تجلى بكل مجلى *** حاز بمجلاه كل أفق فاحذر هذه الحضرة فإن فيها مكرا خفيا و استدراجا لطيفا فإن الغني معظم في العموم حيث ظهر و فيمن ظهر و الخصوص ما لهم نظر إلا في الفقر فإنه شرفهم فلا يبرحون في شهود دائم مع اللّٰه ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] و ما راعى الحق في عتبة لرسوله ﷺ إلا جهل من جهل من الحاضرين أو من يبلغه ذلك من الناس بمن تصدى له رسول اللّٰه ﷺ فلو عرفوا الأمر الذي تصدى له رسول اللّٰه ﷺ ما عاتبه و لا كان يصدر منهم ما صدر من الأنفة من مجالسته ﷺ الأعبد فهل هذا إلا من ذهولهم عن عبوديتهم للذي اتخذوه إلها و ما تلهى رسول اللّٰه ﷺ عن الأعمى إلا لحبه في الفال و ما جاء اللّٰه تعالى بالأعمى إلا لبيان حال مخبر رسول اللّٰه ﷺ بعمي هؤلاء الرؤساء و علم بذلك رسول اللّٰه ﷺ و لكن وقف مع حرصه على إيمانهم و الوفاء بالتبليغ الذي أمره اللّٰه به و لأن صفة الفقر صفة نفس المخلوق و قد علم ﷺ أنه الدليل فإن الدليل لا يجتمع هو و المدلول و هو دليل على غنى الحق و قد تجلى في صورة هؤلاء الرؤساء فلا بد من قوع الأعراض عن الأعمى و الإقبال على أولئك الأغنياء و مع هذا كله وقع العتاب جبرا للأعمى و تعريفا بجهل أولئك الأغنياء فجبر اللّٰه قلب الأعمى و أنزل الأغنياء عما كان في نفوسهم من طلب العلو في الأرض فانكسروا لذلك و نزلوا عن كبريائهم بقدر ما حصل في نفوسهم من ذلك العتاب الإلهي و هذا القدر كاف (المعطي المانع حضرة العطاء و المنع)حضرة المنع و العطاء *** حضرة ما لها غطا فانظر المنع يا أخي *** تجده عين العطا فإذا كنت هكذا *** كنت في الحكم مقسطا و إذا لم تكن كذا *** كنت في حكم من سطا لا تكن كالذي مضى *** في هواه و فرطا [إنما الشكر لله تعالى إلا ما أمر اللّٰه به]فمن علم إن اللّٰه هو المعطي لم يشكر غيره إلا بأمره قال تعالى ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوٰالِدَيْكَ﴾ [لقمان:14] إذا ما قلت تعطي *** فقد أعطيت لم تعطي فلا نكذب و لا تجحد *** فإنك لم تزل تعطي فلا نكفر و قم و اشكر *** لمن أعطى الذي أعطى متى ما لم يقل هذا *** عبيد اللّٰه قد أخطأ |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |