الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و ناعت فما رأينا أشبه شيء منه بالصدى فإنه ما يرد عليك إلا ما تكلمت به فوضعه الحق لهذا المقام و أمثاله مثالا مضروبا فإن اللّٰه ما خلق الخلق لعين الخلق و إنما خلقه ضرب مثال له سبحانه و تعالى علوا كبيرا و لهذا أوجده على صورته فهو عظيم بهذا القصد و حقير بكونه موضوعا و لا بد من عارف و معروف فلا بد من خلق و حق و ليس كمال الوجود إلا بهما فظهر كمال الوجود في الدنيا ثم ينتقل الأمر إلى الأخرى على أتم الوجوه و أكملها عموما في الظاهر كما عمت في الدنيا في الباطن فهي في الآخرة في الظاهر و الباطن فلا بد أن تكون الآخرة تطلب حشر الأجساد و ظهورها و لا بد من إمضاء حكم التكوين فيهما فهي في الدنيا في العموم تقول للشيء ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117] في تصورها و تخيلها لأن موطن الدنيا ينقص في بعض الأمزجة عن إمضاء عين التكوين في العين في الظاهر و في الآخرة تقول ذلك بعينه لما يريد أن يكون ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117] في عينه من خارج كوجود الأكوان هنا عن كن الإلهية عند أسبابها فكانت الآخرة أعظم كمالا من هذا الوجه لتعميم الكلمة الحضرتين الخيال و الحس فللأولى هو السر *** و للآخر الجهر فمن آمن بالكل *** فقد بان له الأمر و ما ثم حضرة في الحضرات الإلهية من يكون عنها النقيضان في العين الواحدة إلا هذه الحضرة فهي العامة الجامعة التي تضمنت الأسماء كلها حسنها و سيئها و الجلال من صفات الوجه فله البقاء دائما و هو من أدل دليل على إن كل ما في الدنيا في الآخرة بلا شك و مما في الدنيا ما لا خفاء به و هي الأجسام الطبيعية التي من شأنها أن تأكل و تشرب و تستحيل مأكلها و مشروبها بحسب أمزجتها ففي الجنة يستحيل ما يأكله أهلها عرقا يخرج من أعراضها أطيب من ريح المسك قال تعالى ﴿وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاٰلِ وَ الْإِكْرٰامِ﴾ [الرحمن:27] فقال قائل بأي نسبة يكون له هذا البقاء فقال ﴿ذُو الْجَلاٰلِ وَ الْإِكْرٰامِ﴾ [الرحمن:27] فرفع بنعت الوجه فلو خفض نعت الرب و كان النعت بالجلال و له النقيضان فيبقى الوجه الذي له النقيضان و لا يفنى و إنما يفنى ما كان على هذه الأرض فناء انتقال في الجوهر و فناء عدم في الصورة فيظهر مثل الصورة لا عينها في الجوهر الباقي الذي هو عجب الذنب الذي تقوم عليه نشأة الآخرة فيبقى حكم الوجه المنعوت بالجلال و يتبعه اسمه حيث كان فللاسم البقاء كما كان البقاء للمسمى به ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «حضرة الكرم»إن الكريم الذي يعطي إذا سألا *** و لو تراه فقيرا للذي ألا و ليس يبرح من إذلال نشأته *** بما يعز و لو محبوبه وصلا و لا أحاشي من الأعيان من أحد *** إلا الغني الذي يعطي إذا سألا و ذاك للأدب المعتاد أنسبه *** فإنه مانع و لا تقل بخلا سبحانه و تعالى أن يحيط به *** علم الخلائق عينا حل أو رحلا فإن يحل ففي قلبي منازله *** و إن أقام أراه فيه مرتحلا و ليس ينقصه مما يحيط به *** إلا إذا قيل شهر اللّٰه قد كملا إن القرآن لفي آياته عجب *** آباره تقتضي الأزمان و الأزلا يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الكريم و هو يتبع الجليل و يلازمه قال تعالى ﴿وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاٰلِ وَ الْإِكْرٰامِ﴾ [الرحمن:27] و قال تعالى ﴿تَبٰارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاٰلِ وَ الْإِكْرٰامِ﴾ [الرحمن:78] و إنما تبعه من حيث ما يعطيه وضع الجلال و لما كان يعطي النقيضين جاء بالإكرام على الوجهين فإن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط لعدم الوصول إلى من له العظمة لما يرى نفسه عليه من الاحتقار و البعد عن التفات ما يعطيه مقام العظمة إليه فأزال اللّٰه عن وهمه ذلك الذي تخيله بقوله ﴿وَ الْإِكْرٰامِ﴾ [الرحمن:27] أي و إن كانت له العظمة فإنه يكرم خلقه و ينظر إليهم بجوده و كرمه نزولا منه من هذه العظمة فلما سمع القانط ذلك عظم في نفسه أكثر مما كان عنده أو لا من عظمته و ذلك لأن عظمته الأولى التي كان يعظم بها الحق |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |