لمن دعاه اللّٰه أو دعاه الرسول فإنه ما أمر بالإجابة إلا إذا دعاه لما يحييه و ما يدعوه اللّٰه و رسوله لشيء إلا ما يحييه فلو لم يجد طعم الحياة الغريبة الزائدة لم يدر من دعاه و ليس المطلوب لنا إلا حصول ما نحيي به و لهذا سمعنا و أطعنا فلا بد من الإحساس لهذا المدعو بهذا الأثر الذي تتعين الإجابة له به فإذا أجاب من هذه صفته حصلت له فيما يسمعه حياة أخرى يحيي بها قلب هذا السامع فإن اقتضى ما سمعه منه عملا و عمل به كانت له حياة ثالثة فانظر ما يحرم العبد إذا لم يسمع دعاء اللّٰه و لا دعاء الرسول و الوجود كله كلمات اللّٰه و الواردات كلها رسل من عند اللّٰه هكذا يجدها العارفون بالله فكل قائل عندهم فليس إلا اللّٰه و كل قول علم إلهي و ما بقيت الصيغة إلا في صورة السماع من ذلك فإنه ثم قول امتثال شرعا و قول ابتلاء فما بقي إلا الفهم الذي به يقع التفاضل فاقتصر علماء الرسوم على كلام اللّٰه المعين المسمى فرقانا و قرآنا و على الرسول المعين المسمى محمدا ﷺ و العارفون عمموا السمع في كل كلام فسمعوا القرآن قرآنا لا فرقانا و عمموا الرسالة فالألف و اللام التي في قوله ﴿وَ لِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال:24] عندهم للجنس و الشمول لا للعهد فكل داع في العالم فهو رسول من اللّٰه باطنا و يفترقون في الظاهر أ لا ترى إبليس و هو أبعد البعداء عن نسبة التقريب و كذلك الساحر بعده كيف شهد لهم بالرسالة و إن لم يقع التصريح فقال في السحرة ﴿وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ﴾ و لا معنى للرسالة إلا أن يكون حكمها هذا و هو إذن اللّٰه و قال في إبليس في إثبات رسالته ﴿اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزٰاؤُكُمْ جَزٰاءً مَوْفُوراً﴾ ثم عرفنا اللّٰه سبحانه ما أرسله به فقال ﴿وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلاٰدِ وَ عِدْهُمْ﴾ [الإسراء:64] و هذه الأحوال كلها عين ما جاءت به الكمل من الرسل عليه السّلام الذين أعطوا السيف فسعد العارف بتلقي رسالة الشيطان و يعرف كيف يتلقاها و يشقى بها آخرون و هم القوم الذين ما لهم هذه المعرفة و يسعد المؤمنون كلهم و العارفون معهم بتلقي رسالة الرسل صلوات اللّٰه و سلامه عليهم و يكون العامل بما جاء في تلك الرسالة أسعد من المؤمن الذي يؤمن بها عقدا و قولا و يعصي فعلا و قولا فكل متحرك في العالم منتقل فهو رسول إلهي كان المتحرك ما كان فإنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه سبحانه فالعارف ينظر إلى ما جاءت به في تحركها فيستفيد بذلك علما لم يكن عنده و لكن يختلف الأخذ من العارفين من هؤلاء الرسل لاختلاف الرسل فليس أخذهم من الرسل أصحاب الدلالات سلام اللّٰه عليهم كأخذهم من الرسل الذين هم عن الأذن من حيث لا يشعرون و من شعر منهم و علم ما يدعو إليه كإبليس إذا قال لصاحبه ﴿اُكْفُرْ﴾ [آل عمران:72] فيتلقاه منه العارف تلقيا إليها فينظر إلى ما أمره الحق به من الستر فيستره و يكون هذا الرسول الشيطان المطرود عن اللّٰه منبها عن اللّٰه فيسعد هذا العارف بما يستره و هو غير مقصود الشيطان الذي أوحى إليه و الذي هو غير العارف يكفر بالذي يقول له اكفر فإذا كفر يقول له الشيطان ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الحشر:16] فشهد اللّٰه للشيطان بالخوف من اللّٰه رب العالمين في دار التكليف و بالإيمان به ﴿فَكٰانَ عٰاقِبَتَهُمٰا أَنَّهُمٰا فِي النّٰارِ خٰالِدَيْنِ فِيهٰا﴾ [الحشر:17] لأنها موطنهما الواحد خلق منها و هو الشيطان و الآخر خلق لها و إن كان فيه منها فسكناها بحكم الأهلية و عذبا فيها بحكم الجريمة ما شاء اللّٰه فالعالم كله عند العارف رسول من اللّٰه إليه و هو و رسالته أعني العالم في حق هذا العارف رحمة لأن الرسل ما بعثوا إلا رحمة و لو بعثوا بالبلاء لكان في طيه رحمة إلهية لأن الرحمة الإلهية ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة ﴿إِنَّ رَبَّكَ وٰاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [ النجم:32] فلا تحجر واسعا فإنه لا يقبل التحجير «قال بعض الأعراب يا رب ارحمني و محمدا و لا ترحم معنا أحدا و النبي ﷺ يسمعه فقال النبي ﷺ يا هذا لقد حجرت واسعا» يعني حجرته قولا و طلبة فإذا كان عند العارف مثل هذا كلام اللّٰه يأخذه في الرحمة الخاصة التي يناسب اللّٰه بها بين هذا القائل و بين محمد ﷺ فشرك الرسول هذا الأعرابي في الرحمة التي يرحمه اللّٰه بها التي لا يرحم بها غيره فإن الغير ما له تلك المناسبة الخاصة فإن الرسول له مناسبة بكل واحد واحد من الأمة التي بعث إليها فآمنت به فهو مع كل مؤمن من أمته بمناسبة خاصة يعينها ذلك المؤمن فإن المتبوع في نفسه لكل تابع إياه منزلة يتميز بها عنده عن غيره و هذا القدر كاف في هذا الذكر ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]