الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() في لين و عطف و جنان و التاسعة الحياء فيستحي من الكاذب عن الكاذب و يظهر له بصورة من صدقه في قوله لا يظهر له بصورة من تعامى عنه حتى يعتقد فيه الكاذب أنه قد مشى عليه حديثه و أنه جاهل بمقامه و بما جاء به فيذل في شغله ثم لا يكون في حقه عند ربه إلا واسطة خير يدعو له بالتجاوز فيما بينه و بين اللّٰه عند الوقوف و السؤال يوم القيامة و «قد ورد في الخبر ان اللّٰه يوم القيامة يدعو بشيخ فيقول له ما فعلت فيقول من المقربات ما شاء اللّٰه و اللّٰه يعلم أنه كاذب في قوله فيأمر به إلى الجنة فتقول الملائكة يا رب إنه كذب فيما ادعاه فيقول الحق قد علمت ذلك و لكني استحييت منه أن أكذب شيبته» و ما أوصل إلينا رسول اللّٰه ﷺ هذا الخبر عن اللّٰه إلا لنكون بهذه الصفة فنحن أحق بها لحاجتنا إن يعاملنا الحق بها و العاشرة الإصلاح و أعظمه إصلاح ذات البين و هو قوله تعالى ﴿وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1] و «قد ورد في الخبر إن اللّٰه يصلح بين عباده يوم القيامة فيوقف الظالم و المظلوم بين يديه للحكومة و الإنصاف ثم يقول لهما ارفعا رءوسكما فينظران إلى خير كثير فيقولان لمن هذا الخير فيقول اللّٰه لهما لمن أعطاني الثمن فيقول المظلوم يا رب و من يقدر على ثمن هذا فيقول اللّٰه له أنت بعفوك عن أخيك هذا فيقول المظلوم يا رب قد عفوت عنه فيقول اللّٰه له خذ بيد أخيك فادخلا الجنة ثم تلا رسول اللّٰه ص» ﴿فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1] فإن اللّٰه يصلح بين عباده يوم القيامة و أما القطب الثاني من الاثني عشرة فهو على قدم الخليل إبراهيم عو هو الذي له سورة الإخلاص الذي حبه إياها أدخله الجنة و لقارئها ثلث القرآن و له من المنازل بعدد آيها و هو صاحب الحجة و الدليل النظري يكون له خوض في المعقولات فيصيب و لا يخطئ و ذلك أن الناس قد اختلفوا في العلم الموهوب الذي من شأنه أن يدركه العاقل بفكره و يوصله إليه دليل النظر فقال بعضهم مثل هذا العلم إذا وهبه اللّٰه من وهبه وهبه بدليله فيعلم الدليل و المدلول لا بد من ذلك و رأيت أبا عبد اللّٰه الكتاني بمدينة فاس إماما من أئمة المسلمين في أصول الدين و الفقه يقول بهذا القول فقلت له هذا ذوقك هكذا أعطاكه الحق فذوقك صحيح و حكمك غير صحيح بل قد يعطيه العلم الذي لا يحصل إلا بالدليل النظري و لا يعطيه دليله و قد يعطيه إياه و يعطيه دليله كإبراهيم الخليل قال تعالى ﴿وَ تِلْكَ حُجَّتُنٰا آتَيْنٰاهٰا إِبْرٰاهِيمَ عَلىٰ قَوْمِهِ﴾ [الأنعام:83] و هو أكمل من الذي يعطي العلم الذي يوصل إليه بالدليل و لا يعطي الدليل و لا يشترط أحد تخصيص دليل من دليل إنما يعطي دليلا في الجملة فإن الأدلة على الشيء الواحد قد تكثر و منها ما يكون في غاية الوضوح و منها ما يغمض كمسألة إبراهيم الخليل في إحياء الموتى و إماتة الأحياء و عدوله إلى إتيان الشمس من المشرق أن يأتي بها الخصم من المغرب و كلاهما دليل على المقصود و هذا القطب من الدعاة إلى اللّٰه بالأمر الإلهي و مسكنه في الهواء في فضاء الجو في بيت جالس على كرسي له نظر إلى الخلق لا يزال تاليا عنده جماعة من أهل اللّٰه و خاصته كلامه في الأحدية الإلهية و في أحدية الواحد و في أحدية الوحدانية بالأدلة النظرية و ما حصلها عن نظر و لكن هكذا وهبها الحق تعالى له و حاله الحضور دائما إلا أنه لم يحر مثل ما حار غيره بل أبان اللّٰه له ما وقف عنده و لم يشغل خاطره بما يوجب عنده الحيرة قد تفرغ مع اللّٰه لقضاء حوائج الناس يعرف الأسماء الإلهية معرفة تامة يقول بنفي المثلية في جانب الحق أخبرني الحق بالطريقة التي جرت العادة أن يخبر بها عباده في أسرارهم إن هذا العبد أعطاه الرحمة لعباده و الصلة لرحمه فسأله في أمر فلم يجبه اللّٰه إليه و هو أنه سأله أن يرث مقامه عقبه فقال له ليس ذلك إليك لا يكون مقام الخلافة بالورث ذلك في العلوم و الأموال و أما الخلافة فكل خليفة في قوم بحسب زمانهم فإن الناس في زمانهم أشبه منهم بآبائهم فإن الحق لا يحكم عليه خلق إلا في العلم و الخلق لا يعرف أن له هذه المرتبة إلا من أعلمه اللّٰه بذلك و لقد رأيت من فتح اللّٰه عليه بصحبتي و استفاد أحوالا و علوما و خرق عوائد أعطاه اللّٰه ذلك من حسن معاملته مع اللّٰه و أخبرني أنه ما استفاد شيئا مما هو عليه إلا مني و أنا لا علم لي بذلك إنما أدعو إلى اللّٰه و اللّٰه يعلم من يجيب ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللّٰهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مٰا ذٰا أُجِبْتُمْ قٰالُوا لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّٰمُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة:109] و صدقوا و كذا هو الأمر فلا علم لأحد إلا من يعلمه اللّٰه و ما عدا هذه الطريقة الإلهية في التعليم فإنما هو غلبة ظن أو مصادفة علم أو جزم على وهم و أما علم فلا فإن جميع الطرق الموصلة إلى العلم فيها شبه لا تثق النفس الطاهرة التي أوقفها اللّٰه على هذه الشبه أن تقطع بحصول علم |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |