مجسدة إذا هو نام فيحكم على محسوسه بما علمه من صورة متخيلة فقيل له في الوضوء عند ما نام و نفخ فلم يتوضأ و صلى بالوضوء الذي نام عليه إن عيني تنامان و لا ينام قلبي يقول إنه لما انقلب إلى عالم الخيال و رأى صورته هناك و هو قد نام على طهارة ما رأى أن تلك الصورة أحدثت ما يوجب الوضوء فعلم أن جسده المحسوس ما طرأ عليه ما ينقض وضوء الذي نام عليه و لهذا نقول في النوم إنه سبب للحدث و ما هو حدث فمن حصل له هذا المقام و كان بهذه الصفة و نام على طهارة و رأى نفسه في النوم فلينظر في تلك الصورة المرئية التي هي عينه فإن أحس بحدث فما يقوم بها حدث حتى يحدث بجسده النائم أي يكون منه ما ينقض الوضوء إما بعين ذلك الحدوث و إما أن يكون صورة تعريف بأنه أحدث فيتوضأ إذا قام من نومه فإن من الأحداث في النوم ما يكون له أثر في الجسد النائم كالاحتلام في بعض الأوقات و كالذي يرى أنه يبول فيبول في فراشه فيستيقظ فيجد في الحس قد وقع ما رآه في النوم و قد لا يجد لذلك أثرا فيكون تنبيها له إنه أحدث هذا يطرأ للعلماء بهذه الصفة و قد كان مثل هذا للشيخ الضرير أبي الربيع المالقي شيخ أبي عبد اللّٰه القرشي بمصر فكان يوم الإثنين خاصة إذا نام فيه تنام عيناه و لا ينام قلبه و هذا باب واسع المجال و هو عند علماء الرسوم غير معتبر و لا عند الحكماء الذين يزعمون أنهم قد علموا الحكمة و قد نقصهم علم شموخ هذه المرتبة على سائر المراتب و لا قدر لها عندهم فلا يعرف قدرها و لا قوة سلطانها إلا اللّٰه ثم أهله من نبي أو ولي مختص غير هذين فلا يعرف قدر هذه المرتبة و العلم بها أول مقامات النبوة و لهذا «كان رسول اللّٰه ﷺ إذا أصبح و جلس مجلسه بين أصحابه يقول لهم هل فيكم من رأى رؤيا» و ذلك ليرى ما أحدث اللّٰه البارحة في العالم أو ما يحدثه في المستقبل و قد أوحى به إلى هذا الرائي في منامه إما صريح وحي و إما وحي في صورة يعلمها الرائي و لا يعلم ما أريد بها فيعبرها رسول اللّٰه ﷺ لما أراد اللّٰه بها فهذا كان من اعتنائه ﷺ بهذه المرتبة المجهولة عند العلماء و ما أحسن تنبيه اللّٰه أولي الألباب من عباده و أهل الاعتبار إذ قال ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحٰامِ كَيْفَ يَشٰاءُ﴾ [آل عمران:6] فمن الأرحام ما يكون خيالا فيصور فيه المتخيلات كيف يشاء عن نكاح معنوي و حمل معنوي يفتح اللّٰه في ذلك الرحم المعاني في أي صورة ما شاء ركبها فيريك الإسلام فيه و القرآن سمنا و عسلا و القيد ثبات في الدين و الدين قميصا سابغا و قصيرا درعا و مجولا و نقيا و دنسا على حسب ما يكون الرائي أو من يرى له عليه من الدين و لقد رأيت لقاضي دمشق عند ما ولي القضاء بدمشق و هو شمس الدين أحمد بن مهذب الدين خليل الجوني و فقه اللّٰه و سدده بملائكته و عصمه في أحكامه و قائل يقول له في النوم إن اللّٰه قد خلع عليك ثوبا نقيا سابغا فلا تدنسه و لا تقلصه و استيقظت و ذكرتها له فالله يجعله ممن حفظ الوصية الإلهية فالخيال من جملة الأرحام التي تظهر فيها الصور و هذه الحضرة الخيالية لما قبلت المعاني صورا قال اللّٰه فيها ﴿زُيِّنَ لِلنّٰاسِ حُبُّ الشَّهَوٰاتِ مِنَ النِّسٰاءِ﴾ [آل عمران:14] أي في النساء فصور الحب صورة زينها لمن شاء من عباده فأحبها بنفسها ما أحبها بغيرها لأنه تعالى ما زين له إلا حب الشهوة فيما ذكره فالحب المطلق زين له ثم علقه بالشهوة فيما ذكره و علقه لمن شاء في الشهوة أيضا في أمر آخر و إنما ذكر الشهوة لأنها صورة طبيعية فإن الخيال حصرته الطبيعة ثم يحكم الخيال عليها فيجسدها إذا شاء فهذا فرع يحكم على أصله لأنه فرع كريم ما أوجد اللّٰه أعظم منه منزلة و لا أعم حكما يسرى حكمه في جميع الموجودات و المعدومات من محال و غيره فليس للقدرة الإلهية فيما أوجدته أعظم وجودا من الخيال فبه ظهرت القدرة الإلهية و الاقتدار الإلهي و به ﴿كَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:12] و أمثال ذلك و أوجب عموما و هو حضرة المجلى الإلهي في القيامة و في الاعتقادات فهو أعظم شعائر اللّٰه على اللّٰه و من قوة حكم سلطانه ما تثبته الحكماء مع كونهم لا يعلمون ما قالوه و لا يوفونه حقه و ذلك أن الخيال و إن كان من الطبيعة فله سلطان عظيم على الطبيعة بما أيده اللّٰه به من القوة الإلهية فإذا أراد الإنسان أن ينجب ولده فليقم في نفسه عند اجتماعه مع امرأته صورة من شاء من أكابر العلماء و إن أراد أن يحكم أمر ذلك فليصورها في صورتها التي نقلت إليه أو رآه عليها المصور و يذكر لامرأته حسن ما كانت عليه تلك الصورة و إذا صورها المصور فليصورها على صورة حسن علمه و أخلاقه و إن كانت صورته المحسوسة قبيحة المنظر فلا يصورها إلا حسنة المنظر بقدر حسن علمه و أخلاقه كأنه يجسد تلك المعاني و يحضر تلك الصورة لامرأته و لعينه عند الجماع