الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة آل عمران: [الآية 14]

سورة آل عمران
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ ﴿14﴾

تفسير الجلالين:

«زُيَّن للناس حبُّ الشهوات» ما تشتهيه النفس وتدعوا إليه زينها الله ابتلاءً أو الشيطانُ «من النساء والبنين والقناطير» الأموال الكثيرة «المقنطرة» المجمعة «من الذهب والفضة والخيل المسومة» الحسان «والأنعام» أي الإبل والبقر والغنم «والحرث» الزرع «ذلك» المذكور «متاع الحياة الدنيا» يتمتع به فيها ثم يفنى «والله عنده حسن المآب» المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره.

تفسير الشيخ محي الدين:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)

الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل

489



سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .

------------

(200) الفتوحات ج 4 / 482 ، 347 ، 482

تفسير ابن كثير:

يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين ، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد ، كما ثبت في الصحيح أنه ، عليه السلام ، قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " . فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد ، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه ، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه ، " وإن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء " وقوله ، عليه السلام الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة ، إن نظر إليها سرته ، وإن أمرها أطاعته ، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " وقوله في الحديث الآخر : " حبب إلي النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " وقالت عائشة ، رضي الله عنها : لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل ، وفي رواية : من الخيل إلا النساء .

وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا ، وتارة يكون لتكثير النسل ، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له ، فهذا محمود ممدوح ، كما ثبت في الحديث : " تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة "

وحب المال - كذلك - تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء ، والتجبر على الفقراء ، فهذا مذموم ، وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات ، فهذا ممدوح محمود عليه شرعا .

وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال ، وحاصلها : أنه المال الجزيل ، كما قاله الضحاك وغيره ، وقيل : ألف دينار . وقيل : ألف ومائتا دينار . وقيل : اثنا عشر ألفا . وقيل : أربعون ألفا . وقيل : ستون ألفا وقيل : سبعون ألفا . وقيل : ثمانون ألفا . وقيل غير ذلك .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القنطار اثنا عشر ألف أوقية ، كل أوقية خير مما بين السماء والأرض " .

وقد رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن حماد بن سلمة ، به . وقد رواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم - هو ابن بهدلة - عن أبي صالح ، عن أبي هريرة موقوفا ، وهذا أصح . وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل وابن عمر . وحكاه ابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة وأبي الدرداء ، أنهم قالوا : القنطار ألف ومائتا أوقية .

ثم قال ابن جرير : حدثني زكريا بن يحيى الضرير ، حدثنا شبابة ، حدثنا مخلد بن عبد الواحد ، عن علي بن زيد ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية " .

وهذا حديث منكر أيضا ، والأقرب أن يكون موقوفا على أبي بن كعب ، كغيره من الصحابة . وقد روى ابن مردويه ، من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن إبراهيم عن يحنش أبي موسى ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائة آية إلى ألف أصبح له قنطار من أجر عند الله ، القنطار منه مثل الجبل العظيم " . ورواه وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، بمعناه وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي بتنيس ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا زهير بن محمد ، حدثنا حميد الطويل ، ورجل آخر ، عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله ، عز وجل : ( والقناطير المقنطرة ) قال : " القنطار ألفا أوقية " . صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، هكذا رواه الحاكم .

وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر فقال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا زهير - يعني ابن محمد - حدثنا حميد الطويل ورجل آخر قد سماه - يعني يزيد الرقاشي - عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : قنطار ، يعني ألف دينار " . وهكذا [ رواه ] ابن مردويه ، ورواه الطبراني ، عن عبد الله بن محمد بن أبي مريم ، عن عمرو بن أبي سلمة ، فذكر بإسناده مثله سواء .

وروى ابن جرير عن الحسن البصري مرسلا عنه وموقوفا عليه : القنطار ألف ومائتا دينار . وكذا رواه العوفي عن ابن عباس .

وقال الضحاك : من العرب من يقول : القنطار ألف دينار . ومنهم من يقول : اثنا عشر ألفا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عارم ، عن حماد ، عن سعيد الجريري عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : [ القنطار ] ملء مسك الثور ذهبا .

قال أبو محمد : ورواه محمد بن موسى الحرشي ، عن حماد بن زيد ، مرفوعا . والموقوف أصح .

وحب الخيل على ثلاثة أقسام ، تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله تعالى ، متى احتاجوا إليها غزوا عليها ، فهؤلاء يثابون . وتارة تربط فخرا ونواء لأهل الإسلام ، فهذه على صاحبها وزر . وتارة للتعفف واقتناء نسلها . ولم ينس حق الله في رقابها ، فهذه لصاحبها ستر ، كما سيأتي الحديث بذلك [ إن شاء الله تعالى ] عند قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل [ ترهبون به عدو الله وعدوكم ] ) [ الأنفال : 60 ] .

وأما ( المسومة ) فعن ابن عباس ، رضي الله عنهما : المسومة الراعية ، والمطهمة الحسان ، وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبزى ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وأبي سنان وغيرهم .

وقال مكحول : المسومة : الغرة والتحجيل . وقيل غير ذلك .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس ، عن معاوية بن حديج ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين ، يقول : اللهم إنك خولتني من خولتني من ] بني آدم ، فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه ، أو أحب أهله وماله إليه " .

وقوله : ( والأنعام ) يعني الإبل والبقر والغنم ( والحرث ) يعني الأرض المتخذة للغراس والزراعة .

قال الإمام أحمد : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا أبو نعامة العدوي ، عن مسلم بن بديل عن إياس بن زهير ، عن سويد بن هبيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير مال امرئ له مهرة مأمورة ، أو سكة مأبورة " المأمورة : الكثيرة النسل ، والسكة : النخل المصطف ، والمأبورة : الملقحة .

ثم قال تعالى : ( ذلك متاع الحياة الدنيا ) أي : إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة ( والله عنده حسن المآب ) أي : حسن المرجع والثواب .

وقد قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال : قال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : لما أنزلت : ( زين للناس حب الشهوات ) قلت : الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت : ( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا [ عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ] ) .


تفسير الطبري :

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى {زين للناس} زين من التزيين واختلف الناس من المزين؛ فقالت فرقة : الله زين ذلك؛ وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكره البخاري. وفي التنزيل {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} [الكهف : 7]؛ ولما قال عمر : الآن يا رب حين زينتها لنا! نزلت {قل أأنبئكم بخير من ذلكم} [آل عمران : 15] وقالت فرقة : المزين هو الشيطان؛ وهو ظاهر قول الحسن، فإنه قال : من زينها؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها. فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء. وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم. وقرأ الجمهور {زُيِّن} على بناء الفعل للمفعول، ورفع {حُبُّ}. وقرأ الضحاك ومجاهد "زَيَّن" على بناء الفعل للفاعل، ونصب "حُبَّ" وحركت الهاء من {الشهوات} فرقا بين الاسم والنعت. والشهوات جمع شهوة وهي معروفة. ورجل شهوان للشيء، وشيء شهي أي مشتهى واتباع الشهوات مرد وطاعتها مهلكة. وفي صحيح مسلم : (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها. وأن النار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (طريق الجنة حزن بربوة وطريق النار سهل بسهوة...)؛ وهو معنى قوله (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات). أي طريق الجنة صعبة المسلك فيه أعلى ما يكون من الروابي، وطريق النار سهل لا غلظ فيه ولا وعورة، وهو معنى قوله (سهل بسهوة) وهو بالسين المهملة. الثانية: قوله تعالى {من النساء} بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء) أخرجه البخاري ومسلم. ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء. ويقال : في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة. فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات. والثانية يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام. وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم. وروى عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب). حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال، وليس في ذلك تحصين لهن ولا ستر؛ لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة والبلاء، ولأنهن قد خلقن من الرجل؛ فهمتها في الرجل والرجل خلق فيه الشهوة وجعلت سكنا له؛ فغير مأمون كل واحد منهما على صاحبه. وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى من الفتنة وأشد. وفي كتاب الشهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أعروا النساء يلزمن الحجال). فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم : (عليك بذات الدين تربت يداك) أخرجه مسلم عن أبي هريرة. وفي سنن ابن ماجة عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل). الثالثة: قوله تعالى {والبنين} عطف على ما قبله. وواحد من البنين ابن. قال الله تعالى مخبرا عن نوح : {إن ابني من أهلي}. وتقول في التصغير "بني" كما قال لقمان. وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأشعث بن قيس : (هل لك من ابنة حمزة من ولد)؟ قال : نعم، لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني جبلة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لئن قلت بذلك إنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين وإنهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة). الرابعة: قوله تعالى {والقناطير} القناطير جمع قنطار، كما قال تعالى {وآتيتم إحداهن قنطارا} [النساء : 20] وهو العقدة الكبيرة من المال، وقيل : هو اسم للمعيار الذي يوزن به؛ كما هو الرطل والربع. ويقال لما بلغ ذلك الوزن : هذا قنطار، أي يعدل القنطار. والعرب تقول : قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار. وقال الزجاج : القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه؛ تقول العرب : قنطرت الشيء إذا أحكمته؛ ومنه سميت القنطرة لإحكامها. قال طرفة : كقنطرة الرومي أقسم ربها ** لتكتنفن حتى تشاد بقرمد والقنطرة المعقودة؛ فكأن القنطار عقد مال. واختلف العلماء في تحرير حده كم هو على أقوال عديدة؛ فروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية)؛ وقال بذلك معاذ بن جبل وعبدالله بن عمر وأبو هريرة وجماعة من العلماء. قال ابن عطية : وهو أصح الأقوال، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية. وقيل : اثنا عشر ألف أوقية؛ أسنده البستي في مسنده الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القنطار اثنا عشر ألف أوقية الأوقية خير مما بين السماء والأرض. وقال بهذا القول أبو هريرة أيضا. وفي مسند أبي محمد الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال: من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذاكرين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر. قيل : وما القنطار؟ قال: ملء مسك ثور ذهبا. موقوف؛ وقال به أبو نضرة العبدي. وذكر ابن سيده أنه هكذا بالسريانية. وقال النقاش عن ابن الكلبي أنه هكذا بلغة الروم. وقال ابن عباس والضحاك والحسن : ألف ومائتا مثقال من الفضة؛ ورفعه الحسن. وعن ابن عباس : اثنا عشر ألف درهم من الفضة، ومن الذهب ألف دينار دية الرجل المسلم؛ وروى عن الحسن والضحاك. وقال سعيد بن المسيب : ثمانون ألفا. قتادة : مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألف درهم من الفضة. وقال أبو حمزة الثمالي : القنطار بإفريقية والأندلس ثمانية آلاف مثقال من ذهب أو فضة. السدي : أربعة آلاف مثقال. مجاهد : سبعون ألف مثقال؛ وروي عن ابن عمر. وحكى مكي قولا أن القنطار أربعون أوقية من ذهب أو فضة؛ وقاله ابن سيده في المحكم، وقال : القنطار بَرْبَرْ ألف مثقال. وقال الربيع بن أنس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض؛ وهذا هو المعروف عند العرب، ومنه قوله {وآتيتم إحداهن قنطارا} أي مالا كثيرا. ومنه الحديث : (إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية وقنطر أبوه) أي صار له قنطار من المال. وعن الحكم هو ما بين السماء والأرض. واختلفوا في معنى {المقنطرة} فقال الطبري وغيره : معناه المضعفة، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع. وروى عن الفراء أنه قال : القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فيكون تسع قناطير. السدي : المقنطرة المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم. مكي : المقنطرة المكملة؛ وحكاه الهروي؛ كما يقال : بدر مبدرة، وآلاف مؤلفة. وقال بعضهم. ولهذا سمي البناء القنطرة لتكاثف البناء بعضه على بعض. ابن كيسان والفراء : لا تكون المقنطرة أقل من تسع قناطير. وقيل : المقنطرة إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا. وفي صحيح البستي عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطِرين). الخامسة: قوله تعالى {من الذهب والفضة} الذهب مؤنثة؛ يقال : هي الذهب الحسنة جمعها ذهاب وذُهوب. ويجوز أن يكون جمع ذَهْبَة، ويجمع على الأذهاب. وذهب فلان مذهبا حسنا. والذهب : مكيال لأهل اليمن. ورجل ذَهِب إذا رأى معدن الذهب فدهش. والفضة معروفة، وجمعها فضض. فالذهب مأخوذة من الذهاب، والفضة مأخوذة من انفض الشيء تفرق؛ ومنه فَضَضْت القوم فانفضوا، أي فرقتهم فتفرقوا. وهذا الاشتقاق يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد في الوجود. ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم : النار آخر دينار نطقت به ** والهم آخر هذا الدرهم الجاري والمرء بينهما إن كان ذا ورع ** معذب القلب بين الهم والنار السادسة: قوله تعالى {والخيل} الخيل مؤنثة. قال ابن كيسان : حدثت عن أبي عبيدة أنه قال : واحد الخيل خائل، مثل طائر وطير، وضائن وضين؛ وسمي الفرس بذلك لأنه يختال في مشيه. وقال غيره : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، واحد فرس، كالقوم والرهط والنساء والإبل ونحوها. وفي الخبر من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله خلق الفرس من الريح ولذلك جعلها تطير بلا جناح). وهب بن منبه : خلقها من ريح الجنوب. قال وهب : فليس تسبيحة ولا تكبيرة ولا تهليلة يكبرها صاحبها إلا وهو يسمعها فيجيبه بمثلها. وسيأتي لذكر الخيل ووصفها في سورة "الأنفال" ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى. وفي الخبر : (إن الله عرض على آدم جميع الدواب، فقيل له : اختر منها واحدا فاختار الفرس؛ فقيل له : اخترت عزك)؛ فصار اسمه الخير من هذا الوجه. وسميت خيلا لأنها موسومة بالعز فمن ركبه اعتز بنحلة الله له ويختال به على أعداء الله تعالى. وسمي فرسا لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثبانا، ويقطعها كالالتهام بيديه على شيء خبطا وتناولا، وسمي عربيا لأنه جيء به من بعد آدم لإسماعيل جزاء عن رفع قواعد البيت، وإسماعيل عربي، فصار له نحلة من الله تعالى فسمي عربيا. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يدخل الشيطان دارا فيها فرس عتيق). وإنما سمي عتيقا لأنه قد تخلص من الهجانة. وقد قال صلى الله عليه وسلم : (خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم الأقرح المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية). أخرجه الترمذي عن أبي قتادة. وفي مسند الدارمي عنه أن رجلا قال : يا رسول الله، إني أريد أن أشتري فرسا فأيها أشتري؟ قال : (اشتر أدهم أرثم محجلا طلق اليمين أو من الكميت على هذه الشية تغنم وتسلم). وروى النسائي عن أنس قال : لم يكن أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل. وروى الأئمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الخيل ثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر...) الحديث بطوله، شهرته أغنت عن ذكره. وسيأتي ذكر أحكام الخيل في "الأنفال" و"النحل" بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى. السابعة: قوله تعالى {المسومة} يعني الراعية في المروج والمسارح؛ قاله سعيد بن جبير. يقال : سامت الدابة والشاة إذا سرحت تسوم سوما فهي سائمة. وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك فهي مسامة. وسومتها تسويما فهي مسومة. وفي سنن ابن ماجة عن علي قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السوم قبل طلوع الشمس، وعن ذبح ذوات الدر. السوم هنا في معنى الرعي. وقال الله عز وجل{فيه تسيمون} [النحل : 10] قال الأخطل : مثل ابن بزعة أو كآخر مثله ** أولى لك ابن مسيمة الأجمال أراد ابن راعية الإبل. والسوام : كل بهيمة ترعى، وقيل : المعدة للجهاد؛ قاله ابن زيد. مجاهد : المسومة المطهمة الحسان. وقال عكرمة : سومها الحسن؛ واختاره النحاس، من قولهم : رجل وسيم. وروي عن ابن عباس أنه قال : المسومة المعلمة بشيات الخيل في وجوهها، من السيما وهي العلامة. وهذا مذهب الكسائي وأبي عبيدة. قلت : كل ما ذكر يحتمله اللفظ، فتكون راعية معدة حسانا معلمة لتعرف من غيرها. قال أبو زيد : أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى. وحكى ابن فارس اللغوي في مجمله : المسومة المرسلة وعليها ركبانها. وقال المؤرج : المسومة المكوية، المبرد : المعروفة في البلدان. ابن كيسان : البلق. وكلها متقارب من السيما. قال النابغة : وضمر كالقداح مسومات ** عليها معشر أشباه جن الثامنة: قوله تعالى {والأنعام} قال ابن كيسان : إذا قلت نعم لم تكن إلا للإبل، فإذا قلت أنعام وقعت للإبل وكل ما يرعى. قال الفراء : هو مذكر ولا يؤنث؛ يقولون هذا نعم وارد، ويجمع أنعاما. قال الهروي : والنعم يذكر ويؤنث، والأنعام المواشي من الإبل والبقر والغنم؛، إذا قيل : النعم فهو الإبل خاصة. وقال حسان : وكانت لا يزال بها أنيس ** خلال مروجها نعم وشاء وفي سنن ابن ماجة عن عروة البارقي يرفعه قال : (الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة). وفيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الشاة من دواب الجنة). وفيه عن أبي هريرة قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم، والفقراء باتخاذ الدجاج. وقال : عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله تعالى بهلاك القرى. وفيه عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : (اتخذي غنما فإن فيها بركة). أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ، إسناد صحيح. التاسعة: قوله تعالى {والحرث} الحرث هنا اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به؛ تقول : حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة؛ فيقع اسم الحراثة على زرع الحبوب وعلى الجنات وعلى غير ذلك من نوع الفلاحة. وفي الحديث : (احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا). يقال حرثت واحترثت. وفي حديث عبدالله (احرثوا هذا القرآن) أي فتشوه. قال ابن الأعرابي : الحرث التفتيش؛ وفي الحديث : (أصدق الأسماء الحارث) لأن الحارث هو الكاسب، واحتراث المال كسبه، والمحراث مسعر النار والحراث مجرى الوتر في القوس، والجمع أحرثة، وأحرث الرجل ناقته أهزلها. وفي حديث معاوية : ما فعلت نواضحكم؟ قالوا : حرثناها يوم بدر. قال أبو عبيد : يعنون هزلناها؛ يقال : حرثت الدابة وأحرثتها، لغتان. وفي صحيح البخاري عن أبي أمامة الباهلي قال وقد رأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذل). قيل : إن الذل هنا ما يلزم أهل الشغل بالحرث من حقوق الأرض التي يطالبهم بها الأئمة والسلاطين. وقال المهلب : معنى قوله في هذا الحديث والله أعلم الحض على معالي الأحوال وطلب الرزق من أشرف الصناعات؛ وذلك لما خشي النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله؛ لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها؛ فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة. ألا ترى أن عمر قال : تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبا لا تغلبنكم عليها رعاة الإبل. فأمرهم بملازمة الخيل، ورياضة أبدانهم بالوثوب عليها. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من مسلم غرس غرسا أو زرع زرعا فيأمل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة). قال العلماء : ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس؛ أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق. فتكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول، فأما النساء والبنون ففتنة للجميع. العاشرة: قوله تعالى {ذلك متاع الحياة الدنيا} أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى. وهذا منه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة. روى ابن ماجة وغيره عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة). وفي الحديث : (إزهد في الدنيا يحبك الله) أي في متاعها من الجاه والمال الزائد على الضروري. قال صلى الله عليه وسلم : (ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء) أخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب. وسئل سهل بن عبدالله : بم يسهل على العبد ترك الدنيا وكل الشهوات؟ قال : بتشاغله بما أمر به. الحادية عشرة: قوله تعالى {والله عنده حسن المآب} ابتداء وخبر. والمآب المرجع؛ آب يؤوب إيابا إذا رجع؛ قال يؤوب إيابا إذا رجع؛ قال امرؤ القيس : وقد طوفت في الآفاق حتى ** رضيت من الغنيمة بالإياب وقال آخر : وكل ذي غيبة يؤوب ** وغائب الموت لا يؤوب وأصل مآب مأوب، قلبت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف، مثل مقال. ومعنى الآية تقليل الدنيا وتحقيرها والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة.

التفسير الميسّر:

حُسِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين، والأموال الكثيرة من الذهب والفضة، والخيل الحسان، والأنعام من الإبل والبقر والغنم، والأرض المتَّخَذة للغراس والزراعة. ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن المرجع والثواب، وهو الجنَّة.

تفسير السعدي

يخبر تعالى أنه زين للناس حب الشهوات الدنيوية، وخص هذه الأمور المذكورة لأنها أعظم شهوات الدنيا وغيرها تبع لها، قال تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نفوسهم ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي: وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت زادا لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب، والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقا يتزودن منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها { ذلك متاع الحياة الدنيا } فجعلوها معبرا إلى الدار الآخرة ومتجرا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زادا إلى ربهم. وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها وتزهيد لأهل العقول النيرة بها، وتمام ذلك أن الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار ومصير المتقين الأبرار،


تفسير البغوي

قوله تعالى : ( زين للناس حب الشهوات ) جمع شهوة وهي ما تدعو النفس إليه ( من النساء ) بدأ بهن لأنهن حبائل الشيطان ( والبنين والقناطير ) جمع قنطار واختلفوا فيه فقال الربيع بن أنس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض ، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : القنطار ألف ومائتا أوقية وقال ابن عباس رضي الله عنهما [ والضحاك ] ألف ومائتا مثقال وعنهما رواية أخرى اثنا عشر ألف درهم وألف [ دينار ] دية أحدكم ، وعن الحسن القنطار دية أحدكم ، وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مائة ألف ومائة من ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم ، ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا ، وقال سعيد بن المسيب وقتادة : ثمانون ألفا ، وقال مجاهد سبعون ألفا ، وعن السدي قال : أربعة آلاف مثقال ، وقال الحكم : القنطار ما بين السماء والأرض من مال ، وقال أبو نضرة : ملء مسك ثور ذهبا أو فضة

وسمي قنطارا من الإحكام ، يقال : قنطرت الشيء إذا أحكمته ، ومنه سميت القنطرة .

قوله تعالى : ( المقنطرة ) قال الضحاك : المحصنة المحكمة ، وقال قتادة : هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض . وقال يمان : [ المدفونة ] وقال السدي المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير ، وقال [ الفراء ] المضعفة ، فالقناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة ( من الذهب والفضة ) وقيل سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى ، والفضة لأنها تنفض أي تتفرق ( والخيل المسومة ) الخيل جمع لا واحد له من لفظه واحدها فرس ، كالقوم والنساء ونحوهما ، المسومة قال مجاهد : هي المطهمة الحسان ، وقال عكرمة : تسويمها حسنها ، وقال سعيد بن جبير : هي الراعية ، يقال : أسام الخيل وسومها قال الحسن وأبو عبيدة : هي المعلمة من السيماء والسيماء العلامة ، ثم منهم من قال : سيماها الشبه واللون وهو قول قتادة وقيل : الكي

( والأنعام ) جمع النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم جمع لا واحد له من لفظه ( والحرث ) يعني الزرع ( ذلك ) الذي ذكرنا ( متاع الحياة الدنيا ) يشير إلى أنها متاع يفنى ( والله عنده حسن المآب ) أي المرجع ، فيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة


الإعراب:

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) زين فعل ماض مبني للمجهول والجار والمجرور متعلقان بزين حب نائب فاعل الشهوات مضاف إليه (مِنَ النِّساءِ) متعلقان بمحذوف حال من الشهوات (وَالْبَنِينَ) معطوف على النساء مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم (وَالْقَناطِيرِ) عطف على البنين (الْمُقَنْطَرَةِ) صفة (مِنَ الذَّهَبِ) متعلقان بالمقنطرة (وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) عطف على ما قبلها.

(ذلِكَ) اسم إشارة مبتدأ (مَتاعُ) خبر (الْحَياةِ) مضاف إليه (الدُّنْيا) صفة الحياة مجرورة والجملة مستأنفة (وَالله) الله لفظ الجلالة مبتدأ (عِنْدَهُ) مفعول فيه ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم للمبتدأ المؤخر (حُسْنُ) (الْمَآبِ) مضاف إليه والجملة الاسمية (عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) في محل رفع خبر المبتدأ الله، وجملة (وَالله عِنْدَهُ) استئنافية.

---

Traslation and Transliteration:

Zuyyina lilnnasi hubbu alshshahawati mina alnnisai waalbaneena waalqanateeri almuqantarati mina alththahabi waalfiddati waalkhayli almusawwamati waalanAAami waalharthi thalika mataAAu alhayati alddunya waAllahu AAindahu husnu almaabi

بيانات السورة

اسم السورة سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran)
ترتيبها 3
عدد آياتها 200
عدد كلماتها 3503
عدد حروفها 14605
معنى اسمها عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام
سبب تسميتها ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا. فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ): ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ).
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!