إن وراء النفس الناطقة هو العامل و هو مسمى اللّٰه و النفس في هذا العمل كالآلة المحسوسة سواء عند أهل اللّٰه و عند أهل النظر العقلي و متى لم يدرك هذا الإدراك فلا يتصف عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة مع ثبوت لآلات و تصرفها لظهور صورة العمل من العامل فالعالم كله آلات الحق فيما يصدر عنه من الأفعال لقوم يعلمون «و قال رسول اللّٰه ﷺ فيما صح عنه أ تدرون ما حق اللّٰه على العباد قالوا اللّٰه و رسوله أعلم قال فإن حق اللّٰه على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا ثم قال أ تدرون ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة» فنكر ﷺ بقوله شيئا ليدخل فيه جميع الأشياء و هو قوله تعالى ﴿فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ فنكر أحد فدخل تحته كل شيء له أحدية و ما ثم شيء إلا و له أحدية و ذكر لقاء اللّٰه ليدل على حالة الرضي من غير احتمال كما ذكره رسول اللّٰه ﷺ و ذلك في الجنة فإنها دار الرضوان فما كل من لقي اللّٰه سعيد فالمواطن لها الحكم في ذلك بما جعل اللّٰه فيها و كذلك قوله تعالى ﴿لَنْ يَنٰالَ اللّٰهَ لُحُومُهٰا وَ لاٰ دِمٰاؤُهٰا وَ لٰكِنْ يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ مِنْكُمْ﴾ [الحج:37] فجعل الذي يصيبه منا التقوى فقد أعلم الحق عباده بنصيبه مما هم عليه و فيه في كل شيء و عهد إلى عباده ذلك فقال ﴿وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة:40] فحظه منكم أن تفوا له تعالى بما عاهدكم عليه و هو «قوله ﷺ في الصلوات الخمس فمن أتى بهن لم يضيع من حقهن شيئا كان له عند اللّٰه عهدا أن يدخله الجنة» و الصلاة مناجاة اللّٰه على القسمة التي شرع بينه تعالى و بين عباده فمن أعطاه قسمه و منها و أخذ منها قسمه فقد أعطاه حقه و نصيبه فإذا كان اللّٰه تعالى مع اتصافه بالغنى عن العالمين قد جعل له فيما يكون للعالم و يفتقر إليه نصيبا يأخذه و قسما عينه فما ظنك بمن أصله الفقر و المسكنة في ظهور عينه لا في عينه و وجوده و ما هو فيه و إنما قلنا لا في عينه لأن أعيانها لا نفسها ما هي بجعل جاعل و إنما الأحوال التي تتصرف عليها من وجود و عدم و غير ذلك فيها يقع الفقر إلى من يظهر حكمها في هذه العين فاعلم ذلك فمن طلب حقه و استقصاه فلا يلام و لكن لما شرع لنا في بعض الحقوق إنا إذا تركناها كان أعظم لنا و جعل ذلك من مكارم الأخلاق و ناط به ما في ذلك من الأجر منه تعالى و هو قوله عز و جل ﴿فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ﴾ [الشورى:40] و من طلب حقه و هو قوله تعالى ﴿وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى:41] كان له ذلك فكذلك يفعل مع عباده فيما ضيعوه من حقه و حقوقه يعفو و يصفح و يصلح فيكون المال إلى رحمة اللّٰه في الدارين فتعمهم الرحمة حيث كانوا و لكن لا يستوون فيها قال تعالى ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَوٰاءً مَحْيٰاهُمْ وَ مَمٰاتُهُمْ سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية:21] كما لم يسو تعالى بين الذين يعلمون و الذين لا يعلمون فالكامل من العباد من لم يترك لله عليه و لا عنده حقا إلا وفاه إياه في كل شيء له فيه نصيب أعطاه نصيبه على حد ما شرع له فإذا وفاه رد عليه جميع ما ذكر أنه له بالشرع فإذا و في اللّٰه له بعهده فيأخذه منه امتناع و ابتداء فضل لا جزاء و لا يكون هذا إلا من العلماء بالله الذين يعلمون الأمر على ما هو عليه و هم أفراد من الخلق لا يعلمهم إلا هو فقد نبهتك على أكمل الطرق في نيل السعادة التي ما فوقها سعادة و مع هذا يا حي و بعده فالأمر عظيم و الخطب جسيم و الإشكال فيه أعظم و لهذا جعل أهل اللّٰه الغاية في الحيرة و هو العجز و هذا القدر كاف في العلم بأن اللّٰه حقا و نصيبا عند عباده يطلبه منهم بحكم الاستحقاق و يطلب منهم أيضا حقوق الغير بحكم الوكالة كما قال ﴿وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ﴾ [التوبة:104] بحكم الوكالة فيربيها و يثمرها فهو وكيل في حق قوم تبرعا من نفسه رحمة بهم و إن لم يوكلوه و في حق قوم وكيل بجعلهم كما أمرهم أن يتخذوه وكيلا و إلا فليس للعبد من الجرأة أن يوكل سيده فلما تبرع بذلك لعباده و نزل إليهم عن كبريائه بلطفه الخفي اتخذوه وكيلا و أورثهم هذا النزول إدلالا و أما حديث ما يقبل اللّٰه من صلاة عبده إلا ما عقل يريد أنه يعضد أداء حق اللّٰه تعالى فيما تعين عليه و جعل أكثره النصف و هو الحد الذي عينه له من صلاة عبده و أقله العاشر فقال عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها و ما ذكر النصف إلا في الفاتحة فعلمنا المعنى فعممناه في جميع أفعال الصلاة و أقوالها بل في جميع ما كلفنا من الأعمال به فأما ما عينه فهو ما انحصرت فيه الفاتحة و هي تسعة أقسام القسم الأول ﴿بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:1] الثاني ﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] الثالث ﴿اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:1] الرابع ملك ﴿(مٰالِكِ)يَوْمِ الدِّينِ﴾ الخامس ﴿إِيّٰاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة:5] السادس ﴿وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] السابع ﴿اِهْدِنَا﴾ [الفاتحة:6]