و الصلاة مناجاة اللّٰه على القسمة التي شرع بينه تعالى و بين عباده فمن أعطاه قسمه و منها و أخذ منها قسمه فقد أعطاه حقه و نصيبه فإذا كان اللّٰه تعالى مع اتصافه بالغنى عن العالمين قد جعل له فيما يكون للعالم و يفتقر إليه نصيبا يأخذه و قسما عينه فما ظنك بمن أصله الفقر و المسكنة في ظهور عينه لا في عينه و وجوده و ما هو فيه و إنما قلنا لا في عينه لأن أعيانها لا نفسها ما هي بجعل جاعل و إنما الأحوال التي تتصرف عليها من وجود و عدم و غير ذلك فيها يقع الفقر إلى من يظهر حكمها في هذه العين فاعلم ذلك فمن طلب حقه و استقصاه فلا يلام و لكن لما شرع لنا في بعض الحقوق إنا إذا تركناها كان أعظم لنا و جعل ذلك من مكارم الأخلاق و ناط به ما في ذلك من الأجر منه تعالى و هو قوله عز و جل ﴿فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ﴾ [الشورى:40] و من طلب حقه و هو قوله تعالى ﴿وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى:41] كان له ذلك فكذلك يفعل مع عباده فيما ضيعوه من حقه و حقوقه يعفو و يصفح و يصلح فيكون المال إلى رحمة اللّٰه في الدارين فتعمهم الرحمة حيث كانوا و لكن لا يستوون فيها قال تعالى ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَوٰاءً مَحْيٰاهُمْ وَ مَمٰاتُهُمْ سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية:21]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية