ذات موجدها و هو علم لطيف فإنه كلام حق من حق لكن الأفهام تختلف فيه فإنه يقول للصور ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ابراهيم:19] فمعناه إن يشأ يشهدكم في كل زمان فرد الخلق الجديد الذي أخذ اللّٰه بأبصاركم عنه فإن الأمر هكذا هو في نفسه و الناس منه في لبس إلا أهل الكشف و الوجود فإن قلت فقد قلت ببقاء عين الجوهر قلنا ليس بقاؤه لعينه و إنما بقاؤه للصور التي تحدث فيه فلا يزال الافتقار منه إلى اللّٰه دائما فالجوهر فقره إلى اللّٰه للبقاء و الصور فقرها إلى اللّٰه لوجودها فالكل في عين الفقر إلى اللّٰه ﴿وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15] بالغنى أي المثنى عليه بصفة الغني عن العالم و في هذا المنزل من العلوم علم إضافة الأعمال إلى الخلق و هو مذهب بعض أهل النظر و الخلاف في ذلك قد تقدم في هذا الكتاب و حكاية المذاهب فيه و أقوالهم و فيه علم تعليم الحق عباده كيف يعاملونه بما يعاملونه به إذ لا تخلو نفس عن معاملة تقوم بها و فيه علم التنبيه على حقيقة الإنسان و فيه علم اختلاف العالم لما ذا يرجع بالصورة و بالحكم و فيه علم العناية ببعض المخلوقين و هي العناية الخاصة و أما العناية العامة فهي الإيجاد له و فقر العالم كله إليه تعالى و فيه علم تأثير الأعمال الخيرية في الأعمال غير الخيرية و أعمال الشر في أعمال الخير و أن القوي من الأعمال يذهب بالأضعف و أن العدم في الممكن أقوى من الوجود لأن الممكن أقرب نسبة إلى العدم منه إلى الوجود و لذلك سبق بالترجيح على الوجود في الممكن فالعدم حضرته لأنه الأسبق و الوجود عارض له و لهذا يكون الحق خلاقا على الدوام لأن العدم يحكم على صور الممكنات بالذهاب و الرجوع إليه رجوع ذاتي فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور و حكم الإيجاد من واجب الوجود يعطي الوجود دائما عين صورة بعد عين صورة فالممكنات بين إعدام للعدم و بين إيجاد لواجب الوجود و أما تعلق ذلك بالمشيئة الإلهية فإنه سر من أسرار اللّٰه نبه اللّٰه عليه في قوله ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء:133] من باب الإشارة إلى غوامض الأسرار لأولي الأفهام إنه عين كل منعوت بكل حكم من وجود أو عدم و وجوب و إمكان و محال فما ثم عين توصف بحكم إلا و هو ذلك العين و هذه مسألة تضمنها هذا المنزل و لو لا ذلك ما ذكرناها فإنه ما تقدم لها ذكر في هذا الكتاب و لن تراها في غيره إلا في الكتب المنزلة من عند اللّٰه كالقرآن و غيره و منها أخذناها بما رزقنا اللّٰه من الفهم في كلامه و فيه علم ما يمحو عبادة الصلاة من الأعمال التي نهى الشرع أن يعمل بها المكلف و فيه علم تأثير المجاورة و لذلك أوصى اللّٰه تعالى بالجار و قد أجرى اللّٰه على ألسنة العامة في أمثالهم أن يقولوا الرفيق قبل الطريق و «قال رسول اللّٰه ﷺ اللهم أنت الصاحب في السفر فهو رفيقه و الخليفة في الأهل» فهو وكيله و من كمال امرأة فرعون قولها ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ﴾ [التحريم:11] فقدمته على البيت و هو الذي جرى به المثل في قولهم الجار قبل الدار و قال اللّٰه في تأثير الجوار ﴿لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْنٰاكَ﴾ و قال ﴿وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ﴾ [هود:113] و من جاور مواضع التهم لا يلومن من نسبه إليها و فيه علم الأمر الإلهي إذا لم ينفذ ما المانع لنفوذه و ما هو الأمر الإلهي و هل له صيغة أم لا و فيه علم مجازاة كل عامل دنيا و آخرة جازاه بذلك من جازاه من حق و خلق و الكل جزاء اللّٰه فما في الكون الأجزاء بالخير و الشر و فيه علم الفرق بين الفرق و بذلك سموا فرقا و حكم اللّٰه الجامع و الفارق و ما يجتمع فيه العالم و ما يفترق و فيه علم السعادة و الشقاوة و ما ينقطع من ذلك و ما لا ينقطع و فيه علم الدار الآخرة ما هي و لما ذا اختصت باسم الحيوان و الدنيا مثلها في هذه الصفة يدل على ذلك ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] و فيه علم يعلم به إن اللّٰه لو لا ما جعل المؤاخذة على الجرائم دلالة ما آخذ اللّٰه بها أحدا من خلقه جملة واحدة و فيه علم امتياز الإمام و المأموم و اختلاف مراتب الأئمة في الإمامة و كيف يكون السعيد إماما للأشقياء و حكمه بالإمامة في الدنيا و حكمه بذلك في الآخرة فأما في الآخرة فيعم الاتباع و لكن من الاتباع هناك ما لا يزول إلى مقر الحسنى و منه ما يأتيه امتناع إمامه في الدنيا فيصرف عن اتباعه في الأخرى لأن الإمام يسعد و ليس ذلك المتبع المصروف من أهل السعادة فلا بد أن يحال بينه و بين إمامه و فيه علم النصائح و ممن تقبل و ما حظ العقل من النصائح و ما حظ الشرع منها و فيه علم عموم ود اللّٰه و محبته في صنعته و مصنوعاته و لذلك عمهم بالرحمة و الغفران لمن يعقل عن اللّٰه فإنه المؤمن و من شأن المؤمن أنه لا تخلص له معصية أصلا لا يشوبها طاعة كذلك