فمعناه إن يشأ يشهدكم في كل زمان فرد الخلق الجديد الذي أخذ اللّٰه بأبصاركم عنه فإن الأمر هكذا هو في نفسه و الناس منه في لبس إلا أهل الكشف و الوجود فإن قلت فقد قلت ببقاء عين الجوهر قلنا ليس بقاؤه لعينه و إنما بقاؤه للصور التي تحدث فيه فلا يزال الافتقار منه إلى اللّٰه دائما فالجوهر فقره إلى اللّٰه للبقاء و الصور فقرها إلى اللّٰه لوجودها فالكل في عين الفقر إلى اللّٰه ﴿وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15] بالغنى أي المثنى عليه بصفة الغني عن العالم و في هذا المنزل من العلوم علم إضافة الأعمال إلى الخلق و هو مذهب بعض أهل النظر و الخلاف في ذلك قد تقدم في هذا الكتاب و حكاية المذاهب فيه و أقوالهم و فيه علم تعليم الحق عباده كيف يعاملونه بما يعاملونه به إذ لا تخلو نفس عن معاملة تقوم بها و فيه علم التنبيه على حقيقة الإنسان و فيه علم اختلاف العالم لما ذا يرجع بالصورة و بالحكم و فيه علم العناية ببعض المخلوقين و هي العناية الخاصة و أما العناية العامة فهي الإيجاد له و فقر العالم كله إليه تعالى و فيه علم تأثير الأعمال الخيرية في الأعمال غير الخيرية و أعمال الشر في أعمال الخير و أن القوي من الأعمال يذهب بالأضعف و أن العدم في الممكن أقوى من الوجود لأن الممكن أقرب نسبة إلى العدم منه إلى الوجود و لذلك سبق بالترجيح على الوجود في الممكن فالعدم حضرته لأنه الأسبق و الوجود عارض له و لهذا يكون الحق خلاقا على الدوام لأن العدم يحكم على صور الممكنات بالذهاب و الرجوع إليه رجوع ذاتي فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور و حكم الإيجاد من واجب الوجود يعطي الوجود دائما عين صورة بعد عين صورة فالممكنات بين إعدام للعدم و بين إيجاد لواجب الوجود و أما تعلق ذلك بالمشيئة الإلهية فإنه سر من أسرار اللّٰه نبه اللّٰه عليه في قوله ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء:133]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية