فهو أمر محقق لأن العلو لا تقبله الأرض ما دامت أرضا لمن هي له أرض و كل ما نراه عاليا شامخا فيها فهو جبل و وتد تقلها اللّٰه به ليسكن ميدها فالجبال ليست أرضا فخلق اللّٰه الأرض مثل الكرة أجزاء ترابية و حجرية ضم اللّٰه بعضها إلى بعض فلما خلق اللّٰه السماء بسط الأرض بعد ذلك ليستقر عليها من خلقت له مكانا و لذلك مادت و لو بقيت الكرة ما مادت و ما خلق الجبال فخلق سبحانه الجبال فقال بها عليها دفعة واحدة و أدار بالماء المحيط بها جبلا جعله لها كالمنطقة قيل إن عليه أطراف قبة السماء و أن الزرقة التي نسبها إلى السماء و نصفها بها فتلك اللونية لجرم السماء لبعدها عنك في الإدراك البصري كما ترى الجبال إذا بعدت عنك رزقا و ليست الزرقة لها إلا لبعدها عن نظر العين كما ترى الجبل البعيد عن نظرك أسود فإذا جئته قد لا يكون كما أبصرته و قد بينا لك أن الألوان على قسمين لون يقوم بجسم المتلون و لون يحدث للبصر عند نظره إلى الجسم لأمر عارض يقوم بين الرائي و المرئي مثل هذا و مثل الألوان التي تحدث في المتلون باللون الحقيقي لهيئات تطرأ فيراها الناظر على غير لونها القائم بها الذي يعرفه و ذلك مثل الشبهات في الأدلة فهي ألوان لا ألوان و حظها من الحقائق الإلهية ﴿وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ [الأنفال:17] و أنت لا أنت و كالعالم كله بالحقيقة هو خلق لا خلق أو حق لا حق و كالخيال هو حس لا حس و محسوس لا محسوس أعني المتخيل و الأرض منفعلة عن الماء المنفعل عن الهواء فإن الهواء هو الأصل عندنا و لذلك هو أقرب نسبة إلى العماء الذي هو نفس الرحمن فجمع بين الحرارة و الرطوبة فمن حرارته ظهر ركن النار و من رطوبته ظهر ركن الماء و من جمود الماء كان الأرض فالهواء ابن للنفس و هو العماء و النار و الماء ولدان للهواء و الأرض ولد الولد و هو ما جمد من الماء و ما لم يجمد بقي ماء على أصله و الأرض على ذلك الماء و قد رأينا في نهر الفرات إذا جمد في الكوانين ببلاد الشمال يعود أرضا تمشي عليه القوافل و الناس و الدواب و الماء من تحت ذلك الجليد جار و ذلك الماء على الهواء و هو الذي يمده برطوبته فيحفظ عليه عينه و استقراره عليه فإن الهواء يجري الماء إذا تحرك و إذا احتقن و سكن سكن الماء عليه فلا ينفذ الماء فيه و قد رأينا ذلك في أنبوب القصب و أمثاله المنفوذ الثقب إذا ملأته ماء و سددت موضع الثقب الأعلى من الأنبوب لا يجري من أسفل الأنبوب شيء من الماء فإذا أزالته جرى الماء فلم يعتمد ذلك الماء إلا على الهواء الساكن لسكونه و هو صورة تعم العالم كله و إذا تموج الهواء سمي ريحا و الريح تنقل روائح ما تمر عليه من طيب و خبيث إلى المشام و كذلك تنقل برودة الأشياء و حرارتها و لذلك توصف الريح بأنها نمامة و توصف بنقل الأخبار إلى السامعين و لا يتلقى منها هذه الأمور التي تتم بها و تخبر عنها إلا قوة السمع و الشم إلى السامعين و الشامين و حركات الأجرام تحرك الهواء فتحدث له اسم الريح و الهواء يحرك الأجرام و فيه تتحرك الأجرام و أما الخرق فما هو إلا تفريغ أحياز عن أشياء و اشتغالها بأشياء غير تلك الأشياء لأنه ما فيما عمره العالم خلاء و إنما هي استحالات صور فصور تحدث الأمور و صور تذهب الأمور و الجوهر الذي ملأ الخلأ ثابت العين لا يستحيل إلى شيء و لا يستحيل إليه شيء و ليس للأسماء الإلهية متعلق إلا إحداث هذه الصور و اختلافها و أما ذهابها فلنفسها و أما ذهابها فلما تقتضيه ذات موجدها و هو علم لطيف فإنه كلام حق من حق لكن الأفهام تختلف فيه فإنه يقول للصور ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ابراهيم:19]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية