الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
فيه و عليه و لو لا ذكره الطريقة التي بها نال معرفة هذه الأشياء ما أنكره عليه أحد فالناس كلهم لا أحاشي منهم من أحد يضربون الأمثال لله و قد تواطئوا على ذلك و لا واحد منهم ينكر على الآخر و اللّٰه يقول ﴿فَلاٰ تَضْرِبُوا لِلّٰهِ الْأَمْثٰالَ﴾ [النحل:74] و هم في عماية عن هذه الآية فأما أولياء اللّٰه فلا يضربون لله الأمثال فإن اللّٰه هو الذي يضرب الأمثال للناس لعلمه بمواقعها لأن اللّٰه يعلم و نحن لا نعلم فيشهد الولي ما ضربه اللّٰه من الأمثال فيرى في ذلك الشهود عين الجامع الذي بين المثل و بين ما ضرب له ذلك المثل فهو عينه من حيث ذلك الجامع و ما هو عينه من حيث ما هو مثل فالولي لا يضرب لله الأمثال بل هو يعرف ما ضرب اللّٰه له الأمثال كقوله تعالى ﴿اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور:35] أي صفة نوره ﴿كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ الزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ﴾ [النور:35] بما ضربه لعباده من هذا النور بالمصباح لنوره الممثل به من يشاء ﴿وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور:35] فهذا مصباح مخصوص ما هو كل مصباح فلا ينبغي أن يقال نور اللّٰه كالمصباح من كونه يكشف المصباح كل ما انبسط عليه نوره لصاحب بصر مثل هذا لا يقال فإن اللّٰه ما ذكر ما ذكره من شروط هذا المصباح و نعوته و صفاته الممثل به سدى فمثل هذا المصباح هو الذي يضرب به المثل فإن اللّٰه يعلم كيف يضرب الأمثال و قد قال إنه ما يضرب الأمثال إلا للناس و نهانا أن نضرب لله الأمثال فإن اللّٰه يعلم و نحن لا نعلم فإن ضربنا الأمثال فلننظر فإن كان اللّٰه قد ضرب في ذلك مثلا للناس فلنقف عنده و هو الأدب الإلهي و إن لم نجد لله في ذلك مثلا مضروبا فلنضرب عند ذلك مثلا للناس الذين لا يعلمون ذلك إلا بالمثل المضروب و إن أنصفنا فلا نضربه لله فإن اللّٰه يعلمه و تتحرى الصواب في ضرب ذلك المثل إن كنت صاحب فكر و اعتبار و إن كنت صاحب كشف و شهود فلا تتحرى فإنك على بينة من ربك فلا تقصد ما أنت فيه بل تبديه كما شهدته مثل ما يحكى ما ضرب اللّٰه لنفسه من المثل فهذه حالة أولياء اللّٰه في ضرب الأمثال كما قال في اختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف رجما بالغيب لأنهم ما شاهدوهم و لذا جاء بفعل الاستقبال فقال ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاٰثَةٌ﴾ [الكهف:22] الآية ثم قال ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مٰا يَعْلَمُهُمْ﴾ [الكهف:22] يعني كم عددهم ﴿إِلاّٰ قَلِيلٌ﴾ [البقرة:83] إما من شاهدهم ممن لا يغلب عليه الوهم و إما من أعلمه اللّٰه بعدتهم و قال تعالى ﴿مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلاٰثَةٍ إِلاّٰ هُوَ رٰابِعُهُمْ وَ لاٰ خَمْسَةٍ إِلاّٰ هُوَ سٰادِسُهُمْ﴾ [المجادلة:7] من باب الإشارة في الجمع بين الآيتين و لكن كما قال من أنه رابع ثلاثة لا ثالث ثلاثة لأنه لا يقال رابع أربعة إلا في الجنس الواحد و الأمثال فإذا انتفت المثلية لم يقل فيه إنه خامس خمسة إذا كان معهم و إنما يقال فيه خامس أربعة أو سادس خمسة أ لا ترى الكلب لما لم يكن من النوع الإنساني قالوا سبعة و ثامنهم كلبهم و لم يقولوا ثمانية ثامنهم كلبهم فافهم تصب إن شاء اللّٰه فلا تضرب لرب الكون *** من أكوانه مثلا فلا أحد يماثله *** فجل بذاته و علا فلم أضرب له مثلا *** و كل الناس قد فعلا فلا تضرب له مثلا *** و كن في حزب من عقلا فلما أراد اللّٰه أن يسرى بي ليريني من آياته في أسمائه من أسمائي و هو حظ ميراثنا من الإسراء أزالني عن مكاني و عرج بي على براق إمكاني فزج بي في أركاني فلم أر أرضى تصحبني فقيل لي أخذه الوالد الأصلي الذي خلقه اللّٰه من تراب فلما فارقت ركن الماء فقدت بعضي فقيل لي إنك مخلوق ﴿مِنْ مٰاءٍ مَهِينٍ﴾ [ السجدة:8] فأهانته ذلته فلصق بالتراب فلهذا فارقته فنقص مني جزآن فلما جئت ركن الهواء تغيرت على الأهواء و قال لي الهواء ما كان فيك مني فلا يزول عني فإنه لا ينبغي له أن يعدو قدره و لا يمد رجله في غير بساطه فإن لي عليك مطالبة بما غيره مني تعفينك فإنه لولاه ما كنت مسنونا فإني طيب بالذات خبيث بصحبة من جاورني فلما خبثتني صحبته و مجاورته قيل فيه حمأ مسنون : فعاد خبثه عليه فإنه هو المنعوت و هو الذي غيرني في مشام أهل الشم من أهل الروائح فقلت له و لما ذا أتركه عندك قال حتى يزول عنه هذا الخبث الذي اكتسبه من عفونتك و مجاورة طينك و مائك فتركته عنده فلما وصلت إلى ركن النار قيل قد جاء الفخار فقيل و قد بعث إليه قال نعم قيل و من معه قال جبريل الجبر فهو مضطر في رحلته و مفارقة بنيته فقال لي عنده في نشأته جزء مني لا أتركه معه إذ قد وصل إلى الحضرة التي يظهر فيها ملكي و اقتداري و نفوذ تصرفي فنفذت إلى السماء الأولى و ما بقي |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





