الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() بلا تجوز فإني قد أشرت إلى أمرين فقد وقع التمييز فلا بد من فصل يعقل لو لا ذلك الفصل ما كانت كثرة في عين الواحد فلم يبق للواحد سوى أحديته التي يقال بها لا هو عين الآخر و بالذي يقال به هو عين الآخر هو أحدية الكثرة فإنه كثرة بإطلاق ألف با جيم عليه ثم قال في إقامة البرهان كل هذا هو هذا فأشار فكثر و أعاد الضمير فوحد فوصل و فصل فالفصل في عين الوصل لمن عقل فإذا وقف الغير على ما قدمناه و علم أنه ما كان على صورة العالم و إنما كان على صورة الحق أسرى به الحق في أسمائه ليريه من آياته فيه فيعلم أنه المسمى بكل اسم إلهي سواء كان ذلك الاسم من المنعوت بالحسن أو لا و بها يظهر الحق في عباده و بها يتلون العبد في حالاته فهي في الحق أسماء و فينا تلوينات و هي عين الشئون التي هو فيها الحق ففينا بنا يتصرف كما نحن به فيه نظهر و لهذا قلنا دليلي فيك تلويني *** و هذا منك يكفيني فلم أسأل عن الأمر *** الذي إليك يدعوني فإني لست أدريه *** و ليس الأمر يدريني فلو يدريني الأمر *** لما ميزت تكويني و لا قلنا و لا قالوا *** سيهديني و يحييني و قد قالوا و قد قلنا *** فأعنيه و يعنيني فأفنيه و أبقيه *** و يفنيني و يبقيني فارضيه فيمدحني *** و أغضبه فيهجوني فإذا أسرى الحق بالولي في أسمائه الحسنى إلى غير ذلك من الأسماء و كل الأسماء الإلهية علم تقلبات أحواله و أحوال العالم كله و إن ذلك التقلب هو الذي أحدث فينا عين تلك الأسماء كما علمنا أن تقلبات الأحوال أحكام تلك الأسماء فاسم الحال الذي انقلبت منه و الذي انقلبت إليه هو اسمي به أقلب كما به تقلبت فبالرءوف الرحيم كان ﷺ بالمؤمنين رءوفا رحيما : و بالمؤمن كان مؤمنا و بالمهيمن كان مهيمنا فجعلنا شهداء بعضنا على بعض و على أنفسنا و بالصبور و الشكور كان ما ابتلي به من الريح لسوق الجواري في البحر آية ﴿لِكُلِّ صَبّٰارٍ﴾ [ابراهيم:5] لما فيها من الأمر المفزع الهائل ﴿شَكُورٍ﴾ [ابراهيم:5] لما فيها من الفرح و النعمة بالوصول إلى المطلوب بسرعة و لقد رأيت ذلك ذوقا من نفسي جرينا بالريح الشديد من ضحى يومنا إلى غروب الشمس مسيرة عشرين يوما في موج كالجبال فكيف لو كان البحر فارغا و الربح من ورائنا كنا نقطع أكثر من ذلك و لكن أراد اللّٰه أن يرينا آيات كل صبار شكور فما من اسم سمي به نفسه إلا و سمانا به فبها نتقلب في أحوالنا و بها نقلب فمن علم هذه الآيات فقد أسرى الحق به في أسمائه فأراه من آياته ليكون سميعا بصيرا سميعا لما يخبر به الحق من التعريفات باللسان الخاص و هو ما أنزله من كلامه الذي نسبه إليه و باللسان العام و هو ما يتكلم به جميع العالم مما يتكلمون به كان ما كان فإنه قد سمعنا ما حكاه الحق لنا من كلام اليهود فيه و سمعناه من اليهود فسمعناه باللسان العام و الخاص فحكى ما نطقهم به إذ ليس في وسع المخلوق أن ينطق من غير أن ينطق فإذا نطق نطق فافهم فحكى به عنهم بهم عنه فإذا كمل حظه من الإسراء في الأسماء و علم ما أعطته من الآيات أسماء اللّٰه في ذلك الإسراء عاد يركب ذاته تركيبا غير ذلك التركيب الأول لما حصل له من العلم الذي لم يكن عليه حين تحلل فما زال يمر على أصناف العالم و يأخذ من كل عالم ما ترك عنده منه فيتركب في ذاته فلا يزال يظهر في طور طور إلى أن يصل إلى الأرض فيصبح في أهله و ما عرف أحد ما طرأ عليه في سره حتى تكلم فسمعوا منه لسانا غير اللسان الذي كانوا يعرفونه فإذا قال له أحدهم ما هذا يقول له إن اللّٰه أسرى بي فأراني من آياته ما شاء فيقول له السامعون ما فقدناك كذبت فيما ادعيت من ذلك و يقول الفقيه منهم هذا رجل يدعي النبوة أو قد دخله خلل في عقله فهو إما زنديق فيجب قتله و إما معتوه فلا خطاب لنا معه فيسخر به قوم و يعتبر به آخرون و يؤمن بقوله آخرون و ترجع مسألة خلاف في العالم و غاب الفقيه عن قوله تعالى ﴿سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت:53] و لم يخص طائفة من طائفة فمن أراه اللّٰه شيئا من هذه الآيات على هذه الطريقة التي ذكرناها فليذكر ما رآه و لا يذكر الطريقة فإنه يصدق و ينظر في كلامه و لا يقع الإنكار عليه إلا إذا ادعى الطريقة [رؤية الآيات و تقلبات الأحوال في العالم كله آيات]و اعلم أنه ليس بين العالم و صاحب هذه الطريقة و الصفة فرق في الإسراء لأنه لرؤية الآيات و تقلبات الأحوال في العالم كله آيات فهم فيها و لا يشعرون فما يزيد هذا الصنف على سائر الخلق المحجوبين إلا بما يلهمه اللّٰه في سره من النظر بعقله و بفكره أو من التهيؤ بصقالة مرآة قلبه ليكشف له عن هذه الآيات كشفا و شهودا و ذوقا و وجودا فالعالم ينكرون عين ما هم |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |