«باطنان فأخبره جبريل أن النهرين الظاهرين النيل و الفرات و النهرين الباطنين نهران يمشيان إلى الجنة و أن هذين النهرين النيل و الفرات يرجعان يوم القيامة إلى الجنة و هما نهرا العسل و اللبن و في الجنة أربعة أنهار نهر» ﴿مِنْ مٰاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [محمد:15] و نهر ﴿مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ [محمد:15] و نهر ﴿مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّٰارِبِينَ﴾ [محمد:15] و نهر ﴿مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد:15] و هذه الأنهار تعطي لأصحابها علوما عند شربهم منها متنوعة يعرفها أصحاب الأذواق في الدنيا و لنا فيها جزء صغير فلينظر ما ذكرناه في ذلك الجزء و أخبره أن أعمال بنى آدم تنتهي إلى تلك السدرة و إنها مقر الأرواح فهي نهاية لما ينزل مما هو فوقها و نهاية لما يعرج إليها مما هو دونها و بها مقام جبريل عليه السّلام و هناك منصته فنزل ﷺ عن البراق بها و جيء إليه بالرفرف و هو نظير المحفة عندنا فقعد عليه و سلمه جبريل إلى الملك النازل بالرفرف فسأله الصحبة ليأنس به فقال لا أقدر لو خطوت خطوة احترقت ف ﴿مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات:164] و ما أسرى اللّٰه بك يا محمد إلا ليريك من آياته فلا تغفل فودعه و انصرف على الرفرف مع ذلك الملك يمشي به إلى أن ظهر لمستوي سمع منه صريف القلم و الأقلام في الألواح بما يكتب اللّٰه بها مما يجريه في خلقه و ما تنسخه الملائكة من أعمال عباده و كل قلم ملك قال تعالى ﴿إِنّٰا كُنّٰا نَسْتَنْسِخُ مٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية:29] ثم زج في النور زجة فأفرده الملك الذي كان معه و تأخر عنه فاستوحش لما لم يره و بقي لا يدري ما يصنع و أخذه هيمان مثل السكران في ذلك النور و أصابه الوجد فأخذ يميل ذات اليمين و ذات الشمال و استفزعه الحال و كان سببه سماع إيقاع تلك الأقلام و صريفها في الألواح فأعطت من النغمات المستلذة ما أداه إلى ما ذكرناه من سريان الحال فيه و حكمه عليه فتقوى بذلك الحال و أعطاه اللّٰه في نفسه علما علم به ما لم يكن يعلمه قبل ذلك عن وحي من حيث لا يدري وجهته فطلب الأذن في الرؤية بالدخول على الحق فسمع صوتا يشبه صوت أبي بكر و هو يقول له يا محمد قف إن ربك يصلي فراعه ذلك الخطاب و قال في نفسه أ ربي يصلي فلما وقع في نفسه هذا التعجب من هذا الخطاب و أنس بصوت أبي بكر الصديق تلي عليه ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلاٰئِكَتُهُ﴾ [الأحزاب:43] فعلم عند ذلك ما هو المراد بصلاة الحق فلما فرغ من الصلاة مثل قوله ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاٰنِ﴾ مع أنه لا يشغله شأن عن شأن و لكن لخلقه أصناف العالم أزمان مخصوصة و أمكنة مخصوصة لا يتعدى بها زمانها و لا مكانها لما سبق في علمه و مشيئته في ذلك فأوحى اللّٰه إليه في تلك الوقفة ما أوحى ثم أمر بالدخول فدخل فرأى عين ما علم لا غير و ما تغيرت عليه صورة اعتقاده ثم فرض عليه في جملة ما أوحى به إليه خمسين صلاة في كل يوم و ليلة فنزل حتى وصل إلى موسى عليه السّلام فسأله موسى عما قيل له و ما فرض عليه فأجابه و قال إن اللّٰه فرض على أمتي خمسين صلاة في كل يوم و ليلة فقال له يا محمد قد تقدمت إلى هذا الأمر قبلك و عرفته ذوقا و تعبت مع أمتي فيه و أني أنصحك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجع ربك و سله التخفيف فراجع ربه فترك له عشرا فأخبر موسى بما ترك له ربه فقال له موسى راجع ربك فراجعه فترك له عشرا فأخبر موسى فقال له راجع ربك فراجعه فترك له عشرا فأخبر موسى فقال له راجع ربك فراجعه فترك له عشرا فأخبر موسى فقال له راجع ربك فراجعه فقال له ربه هي خمس و هي خمسون ما يبدل القول لدي فأخبر موسى فقال راجع ربك فقال إني أستحي من ربي و قد قال لي كذا و كذا ثم ودعه و انصرف و نزل إلى الأرض قبل طلوع الفجر فنزل بالحجر فطاف و مشى إلى بيته فلما أصبح ذكر ذلك للناس فالمؤمن به صدقه و غير المؤمن به كذبه و الشاك ارتاب فيه ثم أخبرهم بحديث القافلة و بالشخص الذي كان يتوضأ و إذا بالقافلة قد وصلت كما قال فسألوا الشخص فأخبرهم بقلب القدح كما أخبرهم رسول اللّٰه ﷺ و سأله من حضر من المكذبين ممن رأى بيت المقدس أن يصفه لهم و لم يكن رأى منه ﷺ إلا قدر ما مشى فيه و حيث صلى فرفعه اللّٰه له حتى نظر إليه فأخذ ينعته للحاضرين فما أنكروا من نعته شيئا و لو كان الإسراء بروحه و تكون رؤيا رآها كما يراه النائم في نومه ما أنكره أحد و لا نازعه و إنما أنكروا عليه كونه أعلمهم أن الإسراء كان بجسمه في هذه المواطن كلها و له ﷺ أربعة و ثلاثون مرة الذي أسرى به منها إسراء واحد بجسمه و الباقي بروحه رؤيا رآها و أما الأولياء فلهم إسراءات روحانية برزخية يشاهدون فيها معاني متجسدة في صور محسوسة للخيال يعطون العلم بما تتضمنه تلك الصور من المعاني و لهم الإسراء في الأرض