فقد نصحتك و أبلغت لك في النصيحة فلا تطلب مشاهدة الحق إلا في مرآة نبيك ﷺ و احذر أن تشهده في مرآتك أو تشهد النبي و ما تجلى في مرآته من الحق في مرآتك فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية فالزم الاقتداء و الاتباع و لا تطأ مكانا لا ترى فيه قدم نبيك فضع قدمك على قدمه إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلى و الشهود الكامل في المكانة الزلفى و قد أبلغت لك في النصيحة كما أمرت ﴿وَ اللّٰهُ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة:213] و في هذا المنزل من العلوم علم مرتبة الحسبان و الظنون و علم التقرير الإلهي و فيه علم الأسرار الخفية عن أكثر الناس و فيه علم الأفراد و فيه علم الملاحم و فيه علم المسابقة و أين حلبة المسابقة التي بين اللّٰه و بين عباده و هو علم شريف فيه من الرحمة الإلهية ما لا يصفه واصف و فيه علم الرد على من يقول بإنفاذ الوعيد و شمول الرحمة للجميع و ذلك أن الإنسان إذا عصى فقد تعرض للانتقام و البلاء و أنه جار في شأو الانتقام بما وقع منه و إن اللّٰه يسابقه في هذه الحلبة من حيث ما هو غفار و عفو و متجاوز و رحيم و رءوف فالعبد يسابق بالمعاصي و السيئات الحق تعالى إلى الانتقام و الحق أسبق فيسبق إلى الانتقام قبل وصول العبد بالسيئات إليه فيجوزه بالغفار و أخواته من الأسماء فإذا وصل العبد إلى آخر الشأو في هذه الحلبة وجد الانتقام قد جازه الغفار و حال بينه و بين العصاة و هم كانوا يحكمون على أنهم يصلون إليه قبل هذا و هو قوله تعالى في العنكبوت ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئٰاتِ أَنْ يَسْبِقُونٰا﴾ [ العنكبوت:4] أي يسبقون بسيئاتهم مغفرتي و شمول رحمتي ﴿سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام:136] بل السبق لله بالرحمة لهم هذا غاية الكرم و هذا لا يكون إلا في الطائفة التي تقول بإنفاذ الوعيد فيمن يموت على غير توبة فإذا مات العاصي تلقته رحمة اللّٰه في الموطن الذي يشاء اللّٰه أن تلقاه فيه و فيه علم «قول النبي ﷺ من أحب لقاء اللّٰه أحب اللّٰه لقاءه و من كره لقاء اللّٰه كره اللّٰه لقاءه» و لم يقل لم يلقه فما كره اللّٰه إلا لقاءه الذي كره و هو أن يلقاه آخذا له على جريمته و منتقما فكره اللّٰه أن يلقاه بما كره هذا المسيء فلقيه تعالى بالمغفرة و الرضوان لأنه علم أنه ما كره لقاء اللّٰه مع كونه مؤمنا بلقائه إلا لما هو عليه من المخالفة فكره اللّٰه لقاءه بما تستحقه المخالفة من العقوبة فلقيه بالعفو و المغفرة و فيه علم ما تستحقه الذات لنفسها لا من حيث اتصافها بأنها إله و فيه علم إن رد الأمور كلها و إن كانت لله فإن اللّٰه بعد وقوفه عليها يردها بما شاء على عباده و فيه علم إرسال الستور بين النفوس المؤمنة و بين المخالفات و من خالف منهم أرسلت الستور بينه و بين العقوبات و فيه علم معاملة اللّٰه عباده بما يوافق أغراضهم و فيه علم منزلة الأسباب الموضوعة في العالم التي لها الآثار فيه و فيه علم ما تدعوه إليه الأسباب و ما ينبغي أن يجيب منها و ما ينبغي أن لا يجيب و فيه علم إلحاق الأباعد بالأداني و الأسافل بالأعالي في التحام ذلك و فيه علم جهل من يساوي بين الحق و الخلق و من جهل مراتب العالم عند اللّٰه و فيه علم التفسير و التمييز و فيه علم ما يعود على العامل من عمله و ما لا يعود و فيه علم أعمار الأشياء و هو بقاء الشيء إلى زمان فساد صورته التي بزوالها يزول عنه الاسم الذي كان يستحقه جمادا كان أو نباتا أو حيوانا و فيه علم الأخذ الإلهي بالأسباب الكونية و أن كل مأخوذ به جند من جنود اللّٰه و فيه علم كون العالم آيات بعضه لبعض و فيه علم النصائح من المؤمنين و غير المؤمنين و فيه علم بيان العلم بالأدلة و فيه علم ما تمس الحاجة إليه في كل وقت و فيه علم الاعتبار و فيه علم الإرادة و المشيئة و فيه علم من ينبغي أن يعتمد عليه في الأمور و من لا يعتمد عليه فيها و فيه علم من أراد بأخيه المؤمن سوء عاد عليه و هو سار في كل جنس من الأمم و فيه علم من استعجل صفة ما يكون في يوم القيامة هنا و ما حكمه عند اللّٰه و فيه علم الهجرة و المهاجر و فيه علم الوهب من غير الوهب و فيه علم ما أدى الجاهل مع علمه إن يقول ﴿إِنْ كٰانَ هٰذٰا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنٰا حِجٰارَةً مِنَ السَّمٰاءِ أَوِ ائْتِنٰا بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال:32] و أمثال هذا مثل قوله ﴿اِئْتِنٰا بِعَذٰابِ اللّٰهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّٰادِقِينَ﴾ [ العنكبوت:29] فانظر في هذا الخبر الإلهي فإنه مبالغة منهم في التكذيب إذ لو احتمل عندهم صدق الرسول ما قالوا مثل هذا القول فإن النفوس قد جبلت على جلب المنافع لها و دفع المضار عنها و فيه علم الرفق بالأمم و الدعاء عليهم من أنبيائهم و فيه علم العلم بالدار الآخرة و الزمان الآخر و لما ذا يرجع و ما ثم شمس تطلع و لا ليل يقبل و فيه علم تنوع الأسباب و فيه علم مراتب من اتخذ من الآلهة دون اللّٰه و فيه علم فصل العلماء و الحكماء الإلهيين و فيه علم ما ينبغي للمؤمن أن يثابر عليه و فيه علم الصنعة و الصانع و فيه علم التنازع في الحديث و مراتب المتنازعين و فيه علم المجمل من المحكم